كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 16)

وهو ظاهر الحديث.
ويحتمل أن يراد ثلاث جُمَع متوالية، كما في حديث أنس عند الديلميّ في "مسند الفردوس"، مرفوعًا: "من ترك ثلاث جُمع متواليات من غير عُذر، طبع الله على قلبه". لأن موالاة الذنب، ومتابعته مُشعرة بقلّة المبالاة به.
ولأبي يعلى الموصلي عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: "من ترك ثلاث جمع متواليات، فقد نَبَذَ الإسلامَ وراء ظهره". هكذا ذكره موقوفاً، وله حكم الرفع، لأن مثله لا يُقال من قبل الرأي، كما قال العراقي.
وعن عبد الله بن أبي أوفى-رضي الله عنه- عند الطبراني في "الكبير"، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من سمع النداء يوم الجمعة، ولم يأتها، ثم سمع النداء، ولم يأتها، ثلاثًا طُبع على قلبه، فجُعل قلبَ منافق". قال العراقي: إسناده جيّد انتهى (¬1).
(تهَاوُنًا بَها) منصوب على أنه مفعول لأجله، أي لأجل تهاونه بحق الجمعة، ويحتمل أن يكون منصوبا على الحال؛ لأن وقوع المصدر المنكّر حالاً كثيرٌ في الاستعمال، كما قال ابن مالك:
وَمَصْدَرٌ مُنَكّرُ حَالًا يَقَعْ ... بِكَثْرَةٍ كَبَغْتَةً زَيْدٌ طَلَعْ
أي حال كونه متهاونا بها.
قال الحافظ العراقي رحمه الله: المراد بالتهاون التكاسل، عن غير عذر. فعلى هذا يكون مفعولًا مطلقًا مبينًا للنوع.
وفي "اللمعات": الظاهر أن المراد بالتهاون التكاسل، وعدم الجدّ في أدائها، وقلة الاهتمام بها، لا الإهانة والاستخفاف، فإن الاستخفاف بفرائض الله كفر.
وفيه أن الطبع المذكور إنما يكون على قلب من ترك ذلك تهاونًا، فينبغي أن تحمل الأحاديث المطلقة على هذا الحديث المقيد بالتهاون، وكذلك تحمل الأحاديث المطلقة على المقيدة بعدم العذر انتهى (¬2).
(طَبَعَ الله عَلَى قَلْبِه) أي ختم عليه، وغشّاه، ومنعه الألطاف، أو صيّر قبله قلبَ منافق.
وفي "اللسان": قال أبو إسحاق النحوي: معنى طَبَعَ في اللغة، وخَتَم واحد، وهو التغطية على الشيء، والاستيثاق من أن يصحله شيء، كما قال الله تعالى: {أَمْ عَلَى قُلُوبٍ
¬__________
(¬1) "نيل الأوطار" جـ 3 ص 264.
(¬2) "المرعاة" جـ 4 ص 446.

الصفحة 72