كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 16)

بعض: عياش عن بكير وعن نافع. والله تعالى أعلم.
شرح الحديث
(عَنْ حَفْصَةَ) رضي الله تعالى عنها (زَوْج النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-) بالجر بدل من "حفصة"، أو عطف بيان، ويحتمل القطع إلى الرفع، والنصب (أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "رَوَاحُ الْجُمُعَة) بفتح الراء، وتحفيف الواو، كالذهاب وزنًا ومعنى. أي الذهاب إليها أي وقت كان، وقيل: يختصّ بما بعد الزوال، وسيأتي تحقيق القول في ذلك قريبًا، إن شاء الله تعالى، فقوله: "رواح" مبتدأ خبره قوله (وَاجبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلم) وفي نسخة "على كلّ مسلم".
و"المحتلم": اسم فاعل، من احتلم، يقال: حَلَمَ الصبيُّ من باب قَتَلَ، واحتلَمَ: أدرك، وبلغ مَبلَغَ الرجال، فهو حالم، ومُحتلم. قاله الفيومي (¬1).
ولفظ أبي داود: "على كلّ محتلم رَوَاحُ الجمعة، وعلى كلّ مَن راحَ إلى الجمعة الغسلُ".
وخصّ المحتلم بالذكر، لأن الاحتلام أكثر ما يبلغ به الرجال، كقوله: "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار"، لأن الحيض أغلب ما يبلغ به النساء.، قاله الزركشيّ رحمه الله تعالى.
وقال الإمام ابن خزيمة رحمه الله تعالى: هذه اللفظة: "على كلّ محتلم رواح الجمعة" من اللفظ الذي نقول: إن الأمر إذا كان لعلة فالتمثيل، والتشبيه به جائز، متى كانت العلّة قائمة، فالأمر واجب، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما علَّم أن على المحتلم رواحَ الجمعة، لأن الاحتلام بلوغٌ، فمتى كان البلوغ، وإن لم يكن احتلامٌ، وكان البلوغ بغير احتلام، ففرض الجمعة واجب على كلّ بالغ، وإن كان بلوغه بغير احتلام، ولو كان على غير أصلنا، وكان على أصل من خالفنا في التشبيه والتمثيل، وزعم أن الأمر لا يكون لعلة، ولا يكون إلا تعبّدًا، لكان من بلغ عشرين سنة، وثلاثين سنة، وهو حرّ عاقل، فسمع الأذان للجمعة في المصر، أو على باب المسجد لم يجب عليه رواح الجمعة، إن لم يكن احتلم، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أعلم أن رواح الجمعة على المحتلم، وقد يَعيش كثير من الناس السنين الكثيرة، فلا يحتلم أبدًا، وهذا كقوله عزّ وجلّ: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور: 59]. ولو لم يجز الحكم بالتشبيه والنظير (¬2) كان من بلغ ثلاثين سنة، ولم يحتلم لم يجب عليه
¬__________
(¬1) "المصباح" جـ 1 ص 148.
(¬2) هكذا نسخة "صحيح ابن خزيمة" بلفظ "والنظير" ولعله "والتنظير". فتأمل.

الصفحة 84