كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 16)

تقييد العرض بيوم الجمعة، كما قيل انتهى.
وقال الشوكاني رحمه الله تعالى في "تحفة الذاكرين" بعد ذكر إبلاغ السلام إليه -صلى الله عليه وسلم- وعرض الصلاة عليه: ما لفظه: وظاهر الجميع أن كلّ صلاة وسلام تبلغه -صلى الله عليه وسلم-، وسواء كان ذلك يوم الجمعة، أو في غيره من الأيام والليالي، فلعلّ في العرض عليه زيادة على مجرد الإبلاغ إليه، ويكون ذلك من خصائص الصلاة عليه -صلى الله عليه وسلم- في يوم الجمعة انتهى (¬1).
(قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلاَتُنَا عَلَيْكَ، وَقَدْ أَرَمْتَ؟) جملة حالية من الضمير المجرور. و"أرمت" بفتح الراء، وسكون الميم، وفتح التاء على الخطاب، على وزن ضَرَبتَ. يقال: أَرَمَ ما على المائدة يَأْرمه، من باب ضرب: أَكَلَهُ. ويُروَى "أَرِمْتَ " بكسر الراء: أي بليتَ. وقيل: "أُرمت" بضم الهمزة على البناء للمفعول، من الأَرْم، وهو الأَكْل، أي صرت مأكولا للأرض. وقيل: "أرَمَّتْ" -بالميم المشددة، والتاء الساكنة، أي أرَمَّت العظام، أي صارت رَميمًا، من رَمَّ الميت، وأرمَّ: إذا بلي. ويروى "أَرْمَمْتَ" بالميمين، أي صرت رميمًا، فعلى هذا يجوز أن يكون أرمتَ بحذف أحد الميمين، كما قالوا في ظللت، وأحسست ظلت، وأحست، كما قال ابن مالك رحمه الله:
ظِلْتُ وَظَلْتُ فِي ظَلِلْتُ اسْتُعْمِلَا ... وَقِرْنَ فِي اقْرِرْنَ وَقَرْنَ نُقِلَا
ثم كُسرت الراء لالتقاء الساكنين، أو فُتحتْ تخفيفًا بنقل حركة الميم الأولى إليها.
وقال السندي رحمه الله تعالى في "شرحه": لابد ههنا أوّلًا من تحقيق لفظ "أرمت"، ثم النظر في السؤال والجواب، وبيان انطباقهما.
فأما "أرمت"، فبفتح الراء، كضربت، أصله أَرْممتَ، من أَرَمَّ بتشديد الميم: إذا صار رميمًا، فحذفوا إحدى الميمين، كما في "ظلت"، ولفظه إما على الخطاب، أو الغيبة، على أنه مسنَدٌ إلى العظام.
وقيل: من "أرم" بتخفيف الميم: أي فني، وكثيرًا ما يُروَى بتشديد الميم، والخطاب، فقيل: هي لغة ناس من العرب. وقيل: بل خطأ، والصواب سكون التاء، لتأنيث العظام، أو أرممت بفكّ الإدغام.
وأما تحقيق السؤال، فوجهه أنهم فهموا عموم الخطاب في قوله: "فإن صلاتكم معروضة" للحاضرين، ولمن يأتي بعده -صلى الله عليه وسلم-، ورأوا أن الموت في الظاهر مانع عن
¬__________
(¬1) "تحفة الذاكرين" ص 31.

الصفحة 95