كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 17)

عَنْ أَبِي بَكْرَةَ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -, صَلَّى رَكْعَتَيْنِ, مِثْلَ صَلاَتِكُمْ هَذِهِ, وَذَكَرَ كُسُوفَ الشَّمْسِ).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا طريق آخر لحديث أبي بكرة - رضي اللَّه عنه -، وإسماعيل ابن مسعود: هو الجحدريّ البصريّ، وخالد: هو ابن الحارث الهُجَيْمِيُّ، وأشعث: هو ابن عبد الملك الحمراني البصريّ، وهو ثقة، ويحتمل أن يكون أشعث بن عبد اللَّه بن جابر الْحُدَّاني وهو أيضًا ثقة، وثقه ابن معين وغيره، فإن كلامهما يروي عن الحسن، ويروي عنهما خالد الهُجَيمِيُّ. واللَّه تعالى أعلم.
وقوله: "مثل صلاتكم هذه" الظاهر أنه أشار إلى صلاة الكسوف المعهودة عندهم، وهذا هو الأرجح، قال الحافظ في "الفتح" في شرح حديث أبي بكرة هذا عند قوله: "فصلى بنا ركعتين": ما نصّه: زاد النسائيّ "كما تصلّون"، واستَدَلّ به من قال: إن صلاة الكسوف كصلاة النافلة.
وحمله ابن حبَّان، والبيهقيّ على أن المعنى كما تصلّون في الكسوف, لأن أبا بكرة خاطب بذلك أهل البصرة، وقد كان ابن عباس علّمهم أنها ركعتان في كل ركعة ركوعان، كما رَوَى ذلك الشافعيّ، وابن أبي شيبة، وغيرهما، ويؤيد ذلك أن في رواية عبد الوارث عن يونس أن ذلك وقع يوم مات إبراهيم ابن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، وقد ثبت في حديث جابر عند مسلم مثله، وقال فيه: إن في كل ركعة ركوعين، فدل ذلك على اتحاد القصّة، وظهر أن رواية أبي بكرة مطلقة، وفي رواية جابر زيادة بيان في صفة الركوع، والأخذ بها أولى. ووقع في أكثر الطرق عن عائشة أيضًا أن في كل ركعة ركوعين، وعند ابن خزيمة من حديثها أيضًا أن ذلك كان يوم مات إبراهيم - عليه السلام - انتهى كلام الحافظ -رحمه اللَّه تعالى- (¬1).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي قاله الحافظ -رحمه اللَّه تعالى- من حمل رواية أبي بكرة - رضي اللَّه عنه - المطلقة على الروايات المبيّنة حسنٌ جدَّا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح، ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَه، عليه توكلت، وإليه أنيب".
* * *
¬__________
(¬1) "فتح"ج 3 ص 223 - 224.

الصفحة 18