كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 18)
واختلف السلف في مشروعية قضائه، فنفاه الأكثر، وفي مسلم وغيره (¬1) عن عائشة - رضي اللَّه عنها - "أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - كان إذا نام من الليل، من وجع، أو غيره، فلم يقم من الليل صلّى من النهار ثنتي عشرة ركعة".
وقال محمد بن نصر: لم نجد عن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - في شيء من الأخبار أنه قضى الوتر، ولا أمر بقضائه، ومن زعم أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - في ليلة نومهم عن الصبح في الوادي قضى الوتر، فلم يُصب.
وعن عطاء، والأوزاعيّ: يقضي، ولو طلعت الشمس، وهو وجه عند الشافعي، حكاه النوويّ في "شرح مسلم". وعن سعيد بن جبير: يقضي من القابلة، وعن الشافعية: يقضي مطلقًا، وُيستدلّ لهم بحديث أبي سعيد المتقدّم، واللَّه أعلم. ذكر هذا كله في "الفتح" (¬2).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: القول الراجح عندي قول من قال: يُقضىَ الوتر مطلقًا، لحديث "من نام عن صلاة، أو نسيها، فليصلّها إذا ذكرها ... "، فإن لفظ "صلاة" نكرة في سياق الشرط فيدخل فيه الوتر وغيره، مما له وقت معين. وأما الاستدلال بحديث أبي سعيد - رضي اللَّه عنه - المتقدم، فغير متجه, لأن في سنده عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، وهو ضعيف، وقد خالفه أخوه عبد اللَّه بن زيد -وهو صدوق، فيه لين-، فرواه عن أبيه، عن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، مرسلاً، بلفظ: "من نام عن وتره، فليصلّ إذا أصبح"، قال الترمذي: وهذا أصح من الحديث الأول. يعني حديث عبد الرحمن المتقدّم. واللَّه تعالى أعلم.
[فائدة]: يؤخذ من سياق هذا الحديث أن ما بين طلوع الفجر، وطلوع الشمس من النهار شرعًا، وقد روى ابن دُريد في "أماليه" بسند جيّد أن الخليل بن أحمد سئل عن حدّ النهار، فقال: من الفجر المستطير إلى بداءة الشفق. وحكى ثعلب عن الشعبى أنه وقت منفرد، لا من الليل، ولا من النهار. واللَّه تعالى أعلم.
وقوله: (فواحدة) بالرفع خبر لمحذوف، أي فهي ركعة واحدة، ويحتمل أن يكون بالنصب، مفعولا لمحذوف، أي صلّ ركعة واحدةً. وفي الروايات الآتية: "فأوتر بواحدة".
واستُدلّ بهذا على أنه لا صلاة بعد الوتر. وقد اختلف أهل العلم في ذلك، وسيأتي تحقيق الخلاف، وترجيح الراجح في "باب إباحة الصلاة بين الوتر وركعتي الفجر" 55/
¬__________
(¬1) - تقدم للمصنف برقم 2/ 1601.
(¬2) - "فتح" ج 3 ص 163.
الصفحة 22
402