كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 18)

سبب للنجاة عنها، وعدمِ الدخول فيها، بل لو فُرض صحّة السببية فهي غير مرادة ههنا، لأن المطلوب أن من مات له ثلاثة ولد لا يدخل بعد ذلك النار، إلا تحلّة القسم، وعلى تقدير كونه جوابًا يصير المعنى فاسدًا قطعًا، إذ لازمه أن موت ثلاثة من الولد لا يتحقّق لمسلم قطعًا، وأنه لو تحقّق لدخل ذلك المسلم النار دائمًا، إلا قدر تحلّة القسم، فالوجه الرفع، على أن الفاء عاطفة للتعقيب، والمعنى أنه بعد موت ثلاثة ولد لا يتحقّق الدخول في النار إلا تحلّة القسم، وأقرب ما قيل في توجيه النصب أن الفاء بمعنى الواو المفيدة للجمع، وهي تنصب المضارع بعد النفي، كالفاء، والمعنى لا يجتمع موت ثلاثة من الولد، ومسّ النار، إلا تحلّة القسم. قاله السنديّ -رحمه اللَّه تعالى- (¬1).
وقوله: "إلا تحَلَّةَ القسم". -بفتح المثناة، وكسر المهملة، وتشديد اللام- أي ما تنحَلّ به القسم، وهو اليمين، وهو مصدر حَلَّلَ اليمينَ، أي كفّرها، يقال: حلّل تحَليلاً، وتَحِلّةً، وتحَلاّ، بغير هاء، والثالث شاذّ. وقال الخطابيّ: حلّلت القسم تحلّةً: أي أبررتها. واللَّه تعالى أعلم.
فائدة: يستفاد من هذا الحديث أن من حلف أن يفعل كذا، ثم فعل منه شيئًا، ولو قلّ برّت يميمنه، خلافا لمالك،، قاله عياض وغيره. واللَّه تعالى أعلم، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسألتان تتعلقان بهذا الحديث:
المسألة الأولى: في درجته: حديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - هذا متفق عليه.
المسألة الثانية: في بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا -25/ 1875 - وفي "الكبرى" 25/ 2003 - وأخرجه (خ) 1250 و 1256 و 102 و 7310 (م) 2632 (ت) 1060 (ق) 1603 (مالك في الموطإ) 554 (أحمد) 17022 و 10903 و 11289.
المسألة الثالثة: قال القرطبيّ: اختُلِفَ في المراد بالقسم في قوله: "إلا تحلّة القسم":
فقيل: هو معيّن، وقيل: غير معيّن، فالجمهور على الأول، وقيل: لم يُعنَ به قسم بعينه، وإنما معناه التقليل لأمر وردوها، وهذا اللفظ يُستعمل في هذا، تقول: لا ينام هذا إلا لتحليل الأَلِيّةِ، وتقول: ما ضربته إلا تحليلاً، إذا لم تُبالغ في الضرب، أي قدرًا يصيبه منه مكروه. وقيل: الاستثناء بمعنى الواو، أي لا تمسّه النار قليلاً، ولا كثيرًا، ولا تحلّة القسم، وقد جوّز الفرّاء والأخفش مجيء "إلا" بمعنى الواو، وجعلوا منه قوله
¬__________
(¬1) - "شرح السندي" ج 4 ص 25.

الصفحة 362