كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 18)

تعالى: {لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ}، والأول قول الجمهور، وبه جزم أبو عبيد وغيره، وقالوا: المراد به قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}، قال الخطابيّ: معناه لا يدخل النار ليُعاقَبَ بها، ولكنه يدخلها مُجتازًا، ولا يكون ذلك الجواز إلا قدر ما يُحَلِّل به الرجل يمينه، ويدلّ على ذلك ما وقع عند عبد الرزّاق، عن معمر، عن الزهريّ في آخر هذا الحديث: "إلا تحلّة القسَم" يعني الورود.
وفي "سنن سعيد بن منصور"، عن سفيان بن عُيينة في آخره: ثم قرأ سفيان: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}، ومن طريق زمْعَةَ بن صالح، عن الزهريّ في آخره: قيل: وما تحلّة القسم؟ قال: قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}. قال في "الفتح": وكذا وقع في رواية كريمة في الأصل: قال أبو عبد اللَّه: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}، وكذا حكاه عبد الملك بن حبيب، عن مالك في تفسير هذا الحديث، وورد نحوه من طريق أخرى في هذا الحديث، رواه الطبرانيّ من حديث عبد الرحمن بن بشر الأنصاريّ، مرفوعًا: "من مات له ثلاثة من الولد، لم يبلغوا الحنث، لم يرد النار إلا عابر سبيل"، يعني الجواز على الصراط، وجاء مثله من حديث آخر، أخرجه الطبراني، من حديث سهل بن معاذ ابن أنس الجهنيّ، عن أبيه مرفوعًا: "من حَرَسَ وراء المسلمين في سبيل اللَّه، متطوّعًا، لم يَرَ النارَ بعينه، إلا تحلّة القسم، فإن اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- قال: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} انتهى.
واللَّه تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.
المسألة الرابعة: اختلف في موضع القسم من الآية، فقيل: هو مقدّر، أي واللَّه إن منكم، وقيل: معطوف على القسم الماضي في قوله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ} أي قسمًا واجبًا، كذا رواه الطبرانيّ وغيره من طريق مرة، عن ابن مسعود، ومن طريق ابن أبي نجيح، عن مجاهد، ومن طريق سعيد، عن قتادة في تفسير هذه الآية. وقال الطيبيّ: يحتمل أن يكون المراد بالقسم ما دلّ على القطع والبتّ من السياق، فمن قوله: {كَانَ عَلَى رَبِّكَ} تذييل، وتقرير لقوله: {وَإِنْ مِنْكُمْ} فهذا بمنزلة القسم، بل أبلغ لمجيء الاستثناء بالنفي والإثبات. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
المسألة الخامسة: اختلف السلف في المراد بالورود في الآية، فقيل: هو الدخول، روى عبد الرزّاق، عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، أخبرني من سمع ابن عباس، فذكره. وروى أحمد، والنسائيّ، والحاكم، من حديث جابر مرفوعًا: "الورود الدخول، لا يبقى بَرّ، ولا فاجر إلا دخلها، فتكون على المؤمنين بردًا وسلامًا". وروى الترمذيّ، وابن أبي حاتم، من طريق السُّدّيّ، سمعت مرة، يحدث عن عبد اللَّه بن مسعود، قال: يردونها، أو يَلِجونها، ثم يصدرون عنها بأعمالهم، قال عبد الرحمن بن

الصفحة 363