كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 18)

مهديّ: قلت لشعبة: إن إسرائيل يرفعه، قال: صدق، وعمدًا أدعه، ثم رواه الترمذيّ، عن عبد بن حميد، عن عبيد اللَّه بن موسى، عن إسرائيل، مرفوعًا. وقيل: المراد بالورود الممرّ عليها، روه الطبريّ وغيره من طريق بشر بن سعيد، عن أبي هريرة، ومن طريق أبي الأحوص، عن عبد اللَّه بن مسعود، ومن طريق معمر، وسعيد، عن قتادة، ومن طريق كعب الأحبار، وزاد: "يستوون كلهم على متنها، ثم ينادي مناد أمسكي أصحابك، ودعي أصحابي، فيخرج المؤمنون نَديّة أبدانهم". وهذان القولان أصحّ ما ورد في ذلك.
ولا تنافي بينهما، لأن من عبّر بالدخول تجوّز به عن المرور، ووجهه أن المارّ عليها فوق الصراط في معنى من دخلها، لكن تختلف أحوال المارّة باختلاف أعمالهم، فأعلاهم درجةً من يمرّ كلمع البرق، ويؤيّد صحّةَ هذا التأويل ما رواه مسلم من حديث أمّ مبشّر، أن حفصة قالت للنبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: لَما قال: "لا يدخل أحد شهد الحديبية النار": أليس اللَّه يقول: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} فقال لها: "أليس اللَّه تعالى يقول: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا} " الآية.
وفي هذا بيانُ ضعفِ قول من قال: الورود مختصّ بالكفّار، ومن قال: معنى الورود الدنوّ منها، ومن قال: معناه الإشراف عليها، ومن قال: معنى ورودها ما يصيب المؤمن في الدنيا من الحمّى، على أن هذا الأخير ليس ببعيد، ولا ينافيه بقية الأحاديث، واللَّهأعلم. قاله في "الفتح" (¬1). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
1876 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ابْنِ عُلَيَّةَ, وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ, قَالاَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ, وَهُوَ الأَزْرَقُ, عَنْ عَوْفٍ, عَنْ مُحَمَّدٍ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, عَنِ النَّبِيِّ - صلى اللَّه عليه وسلم -, قَالَ: «مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ, يَمُوتُ بَيْنَهُمَا, ثَلاَثَةُ أَوْلاَدٍ, لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ, إِلاَّ أَدْخَلَهُمَا اللَّهُ, بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمُ (¬2) الْجَنَّةَ» , قَالَ: «يُقَالُ لَهُمُ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ, فَيَقُولُونَ: حَتَّى يَدْخُلَ آبَاؤُنَا, فَيُقَالُ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ, أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ».
رجال هذا الإسناد: ستة:
1 - (محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ابن عُليّة) الدمشقي القاضي، ثقة [11] 22/ 489.
2 - (عبدالرحمن بن محمد) بن سلاّم بن ناصح البغداديّ، ثم الطُّوسيّ، أبو
¬__________
(¬1) - "فتح" ج3 ص 461 - 463.
(¬2) - وفي نسخة: "إياهما".

الصفحة 364