كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 18)

"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".
...

28 - غَسْلُ الْمَيّتِ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قال المجد اللغويّ -رحمه اللَّه تعالى-: "السِّدْر" -بكسر فسكون-: شجر النبِقِ، الواحدة بهاء، جمعه سِدرَات-بكسر فسكون- وسِدِرَات- بكسرتين- وسِدَرَات -بكسر ففتح- وسِدَر- كذلك- وسُدُرٌ -بضمتين- انتهى بإيضاح (¬1).
وقال الفيّوميّ -رحمه اللَّه تعالى-: "السِّدْرّة": شجرة النَّبِقِ، والجمع سِدَرٌ -بكسر ففتح- ثم يُجمعُ على سِدَرَات، فهو جمع الجمع، وتجُمَع السدرة أيضًا على سِدْرَات - بالسكون- حملاً على لفظ الواحد، قال ابن السَّرَّاج: وقد يقولون: سِدْرٌ -بكسر فسكون- ويريدون الأقلّ، لقلّة استعمالهم التاء في هذا الباب، وإذا أطلق السِّدْر في الغَسْل فالمراد به الوَرَقُ المطحون، قال الحجّة في التفسير: والسدر نوعان: أحدهما ينبت في الأَرْياف، فيُنتَفَع بوَرَقه في الغَسْل، وثمرته طيّبة، والآخر ينبت في البّرّ، ولا يُنتفع بوَرَقه في الغَسْل، وثمرته عَفِصَةٌ (¬2). انتهى (¬3).
قال الزين ابن المنيّر -رحمه اللَّه تعالى-: جعلهما معا آلة لغسل الميت، وهو مطابق لحديث الباب، لأن قوله: "بماء وسدر" يتعلّق بقوله: "اغسلنها"، وظاهره أن السدر يُخلَط في كلّ مرّة من مرّات الغسل، وهو مشعر بأن غسل الميت للتنظيف، لا للتطهير، لأن الماء المضاف لا يُتطهّر به انتهى.
قال الجامع: قوله: "لأن الماء المضاف لا يتطهّر به" غير صحيح، لأن حديث الباب ظاهر في كونه مطهّرًا، ولا يُعدل عن هذا الظاهر إلا لدليل صحيح صريح، فالماء المضاف إليه السدر ونحوه من الأشياء الطاهرة مطهّر ما دام اسم الماء ثابتا له، كما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه العلامة ابن القيّم -رحمهما اللَّه تعالى- (¬4).
وقال في "الفتح" بعد نقل كلام ابن المنيّر المذكور: وقد يُمنع لزوم كون الماء يصير مضافا بذلك، لاحتمال أن لا يُغَيِّر السدرُ وصف الماء بأن يُمعَك بالسدر، ثم يغسل
¬__________
(¬1) - "ق" في مادة س د ر.
(¬2) - يقال: طعام عَفِصٌ: فيه تقبّض. قاله في "المصباح".
(¬3) - "المصباح" في مادة س د ر.
(¬4) - أجاد الشيخ العلامة ابن باز حفظه اللَّه تعالى في هذا فيما علقه على هامش "فتح الباري" فراجع ما كتبه ج 3 ص 464 طبعة مؤسسة الرسالة.

الصفحة 376