كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 18)

بالماء في كلّ مرة، فإن لفظ الخبر لا يأبى ذلك. انتهى.
قال الجامع: لكن الأول هو الظاهر، فلا داعي إلى أن يعدل عنه، كما علمت. واللَّه أعلم.
وقال القرطبيّ: يُجعل السدر في ماء، ويُخَضخَض (¬1) إلى أن تخرج رغوته (¬2)، ويدلك به جسده، ثم يصب عليه الماء القَرَاح (¬3)، فهذه غسلة.
وحكى ابن المنذر أن قوما قالوا: تُطرح ورقات السدر في الماء، أي لئلا يمازج الماء، فيتغير وصفه المطلق. وحكي عن أحمد أنه أنكر ذلك، وقال: يغسل في كلّ مرّة بالماء والسدر.
قال الجامع: هذا الذي حُكِي عن الإمام أحمد -رحمه اللَّه تعالى- هو الحقّ، الذي يجب المصير إليه، وما عداه من التأويلات التي ذكروها، فآراء ساقطة، لا أثارة عليها من الأدلة، واللَّه تعالى أعلم.
قال الحافظ: وأعلى ما ورد في ذلك ما رواه أبو داود من طريق قتادة، عن ابن سيرين أنه كان يأخذ الغُسل، عن أمّ عطيّة، فيغسل بالماء والسدر مرتين، والثالثة بالماء والكافور. قال ابن عبد البرّ. كان يقال. كان ابن سيرين من أعلم التابعين بذلك.
قال الجامع: هذا الذي نُقل عن ابن سيرين هو الذي ينبغي اتباعه، لكونه أعلم التابعين بذلك، لكن الثالثة تكون بالماء والسدر، والكافور، لظاهر النصّ، واللَّه تعالى أعلم.
وقال ابن العربىّ: من قال: الأولى بالماء القَرَاح، والثانية بالماء والسدر، أو العكس، والثالثة بالماء والكافور، فليس هو في لفظ الحديث انتهى. وكان قائله أراد أن تقع إحدى الغسلات بالماء الصرف المطلق، لأنه المطهّر في الحقيقة، وأما المضاف فلا.
قال الجامع: قوله: وأما المضاف فلا غير صحيح، لأن الشارع جعل الماء والسدر مطهّرًا حقيقة، فكيف يقال: إن المضاف لا يطهّر، إن هذا لشيء عجيب!!!.
قال: وتمسّك بظاهر الحديث ابن شعبان، وابن الفرضي، وغيرهما من المالكيّة، فقالوا: غسل الميت إنما هو للتنظيف، فيجزئ بالماء المضاف، كماء الورد، ونحوه، قالوا: وإنما يكره من جهة السرف، والمشهور عند الجمهور أنه غسل تعبّديّ يشترط فيه ما يشترط في بقية الأغسال الواجبة والمندوبة. وقيل: شُرع احتياطًا، لاحتمال أن يكون
¬__________
(¬1) - أي يُحرّك.
(¬2) - الرغوة مثلث الراء: الزَّبَد يعلو الشيء عند غَلَيَانه. اهـ "المصباح".
(¬3) - القراح وِزانُ كَلَام: الماء الخالص الذي لم يُخالطه شيء.

الصفحة 377