كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 18)

وكذا وقع في "المبهمات" لابن بشكوال، من طريق الأوزاعيّ، عن محمد بن سيرين، عن أم عطية، قالت: كنت فيمن غسل أم كلثوم ... الحديث، وقرأت بخطّ مغلطاي: زعم الترمذيّ أنها أم كلثوم، وفيه نظر. كذا قال، ولم أر في الترمذيّ شيئًا من ذلك.
وقد روى الدُّولابي في "الذرية الطاهرة" من طريق أبي الرجال، عن عمرة، أن أم عطية كانت ممن غسل أم كلثوم، ابنة النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - ... الحديث.
فيمكن ترجيح ذلك لمجيئه من طرق متعددة، ويمكن الجمع بأن تكون حضرتهما جميعًا، فقد جزم ابن عبد البر -رَحِمَهُ اللَّهُ- في ترجمتها بأنها كانت غاسلة الميتات.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: طريقة الجمع أولى من الترجيح، إذ فيه العمل بالحديثين، بخلاف الثاني، فإن فيه إدعاءَ أحدهما. واللَّه تعالى أعلم.
[تنبيه آخر]: قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: ووقع لي من تسمية النسوة اللاتي حضرن معها يعني أم عطيّة ثلاث غيرها، ففي "الذرّيّة الطاهرة" أيضًا من طريق أسماء بنت عُمَيس أنها كانت ممن غسلها، قالت: ومعنا صفية بنت عبد المطّلب، ولأبي داود من حديث ليلى بنت قَانِف -بقاف، ونون، وفاء- الثقفيّة، قالت: كنت فيمن غسلها، وروى الطبرانيّ من حديث أم سلمة شيئًا يومىء إلى أنها حضرت ذلك أيضًا انتهى (¬1).
(فَقَالَ: اغْسِلْنَهَا) قال ابن بزيزة: استُدِلّ به على وجوب غسل الميت، وهو مبنيّ على أن قوله فيما بعدُ: "إن رأيتنّ ذلك" هل يرجع إلى الغسل، أو العدد، والثانى أرجح، فثبت الْمُدَّعَى. قال ابن دقيق العيد: لكن قوله: "ثلاثًا" ليس للوجوب على المشهور من مذاهب العلماء، فيتوقّف الاستدلال به على تجويز إرادة المعنيين المختلفين بلفظ واحد، لأن قوله: "ثلاثا" غير مستقلّ بنفسه، فلا بدّ أن يكون داخلا تحت صيغة الأمر، فيراد بلفظ الأمر الوجوب بالنسبة إلى أصل الغسل، والندب بالنسبة إلى الإيتار انتهى. وقواعد الشافعية لا تأبى ذلك، ومن ثمّ ذهب الكوفيون، وأهل الظاهر، والمزنيّ إلى إيجاب الثلاث، وقالوا: إن خرج منه شيء بعد ذلك يغسل موضعه، ولا يعاد غسل الميت، وهو مخالف لظاهر الحديث. وجاء عن الحسن مثله، أخرجه عبد الرزاق، عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين، قال: يغسل ثلاثًا، فإن خرج منه شيء بعدُ فخمسًا، فإن خرج منه شيء غسل سبعا. قال هشام: وقال الحسن: يغسل ثلاثًا، فإن خرج منه شيء غسل ما خرج، ولم يُزد على ثلاث انتهى.
¬__________
(¬1) - "فتح" ج 3 ص 467.

الصفحة 380