كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 20)

والصواب الكسر، وهو كلام العرب، وقال ابن السّكّيت نحوه. وقال في مادّة "قصّ": والقَصّة بالفتح الجِصّ بلغة الحجاز، قاله في "البارع"، والفارابيّ انتهى ما في "المصباح".
لكن الذي في "الصحاح"، و"القاموس" أن الجصّ بفتح الجيم، وتكسر انتهى.
وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: التجصيص، والتقصيص: هو البناء بالجصّ، وهو القصّ، والقصّة، والْجَصّاص، والْقَصّاص واحد، فإذا خُلِط الجصّ بالرماد، فهو الْجَيّار. وذكر معنى ذلك أبو عبيد، وابن الأعرابيّ. وبظاهر هذا الحديث قال مالك، فكره البناء، والجصّ على القبور، وقد أجازه غيره، وهذا الحديث حجة عليه. ووجه النهي عن البناء، والتجصيص في القبور أن ذلك مُباهاةٌ، واستعمالُ زينة الدنيا في أول منازل الآخرة، وتشبّه بمن كان يُعظِّم القبور، ويعبدها، وباعتبار هذه المعاني، وبظاهر هذا النهي ينبغي أن يُقال: هو حرام، كما قال به بعض أهل العلم انتهى كلام القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- (¬1).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي قاله القرطبيّ حسنٌ جدًّا، وسيأتي مزيد تحقيق لذلك بعد بابين، إن شاء اللَّه تعالى.
وقال الحافظ العراقيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: ذكر بعضهم أن الحكمة في النهي عن تجصيص القبور كون الجصّ أُحرق بالنار، وحينئذ، فلا بأس بالتطيين، كما نصّ عليه الشافعيّ.
قال السنديّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: التطيين لا يناسب ما ورد من تسوية القبور المرتفعة، كما سبق، وكذا لا يناسب قوله: "أن يُبنَى عليه"، والظاهر أن المراد النهي عن الارتفاع، والبناء مطلقا، وإفراد التجصيص لأنه أتمّ في إحكام البناء، فخُصّ بالنهي مبالغة انتهى.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ما قاله السنديّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- حسنٌ جدّا. واللَّه تعالى أعلم.
(زَادَ سُلَيمَانُ بْنُ مُوسَى: "أَوْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ") أراد المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- بهذا أن سليمان بن موسى الأشدق الراوي الثاني عن جابر - رضي اللَّه عنه - زاد في روايته على رواية أبي الزبير قوله: "أو يُكتب عليه"، وكلام المصنف هذا فيه نظر، سيأتي في المسألة الرابعة، إن شاء اللَّه تعالى.
¬__________
(¬1) - "المفهم" ج 2 ص 626 - 627.

الصفحة 10