كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 20)

ثَوَى فِي قُرَيش بِضْعَ عَشْرَةَ حِجَّةً ... يُذَكِّرُ لَوْ يَلْقَى صَدِيقًا مُوَاتِيًا
........ الأبيات. قال ابن إسحاق: وصِرْمة هذا هو الذي نزل فيه: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} الآية. قال: وحدّثني محمد بن جعفر بن الزبير، قال: كان أبو قيس ممن فارق الأوثان في الجاهليّة، فلما قَدِم النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - المدينة أسلم، وهو شيخ كبير، وهو القائل [من الطويل]:
يَقُولُ أَبُو قَيْسٍ وَأَصْبَحَ غَادِيًا ... أَلَا مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ وَصَاتِيَ فَافْعَلُوا
........ الأبيات (¬1).
(أَتَى أَهْلَهُ، وَهُوَ صَائِمٌ) جملة في محل نصب على الحال من الفاعل (بَعْدَ الْمَغْرِبِ) ظرف لـ"أتى" (فَقَالَ: هَلْ مِنْ شَيْءٍ؟) أي من الماكولات. وفي رواية البخاريّ: "فلَما حضر الإفطار أتى امرأته، فقال لها: أعندك طعام؟ ... (فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ) أي مما يؤكل (وَلَكِنْ أَخْرُجُ، أَلتَمِسُ لَكَ عَشَاءَ،) أي أطلب لك ما تتعشّى به. قال في "الفتح": وظاهره أنه لم يجىء معه بشيء، لكن في مرسل السدّيّ أنه أتاها بتمر، فقال: استبدلي به طحينًا، واجعليه سَخينًا، فإن التمر أحرق جوفي. وفيه: لعلي آكله ساخنًا، وأنها استبدلته له، وصنعته. وفي مرسل ابن أبي ليلى: فقال لأهله: أطعموني، فقالت: حتى أجعل لك شيئًا سخينًا. ووصله أبو داود من طريق ابن أبي ليلى، فقال: حدّثنا
أصحاب محمد - صلى اللَّه عليه وسلم -"، فذكره مختصرًا (فَخَرَجَتْ، وَوَضَعَ رَأْسَهُ، فَنَامَ) أي لشدة تعبه بكثرة العمل في النهار، ففي رواية البخاريّ: "وكان يومه يعمل، فغلبته عيناه". وفي لفظ لأبي داود: "يعمل في أرضه"، وفي مرسل السدّيّ: "كان يعمل في حيطان المدينة بالأجرة"، فعلى هذا فقوله: "في أرضه" إضافة اختصاص. قاله في "الفتح" (فَرَجَعَتْ إِلَيْهِ، فَوَجَدَتْهُ نَائِمًا) وفي رواية البخاريّ. "فلما رأته، قالت: خيبةً لك" (وَأيْقَظَتْهُ، فَلَمْ يَطْعَمْ شَيْئًا) أي لكون الأكل بعد النوم مُحَرّمًا، وفي مرسل السدّيّ: "فأيقظته، فكره أن يعصي اللَّه، وأبى أن يأكل". وفي مرسل محمد بن يحيى: "فقالت له: كل، فقال: إني قد نِمْتُ، فقالت: لم تنم، فأبى، فأصبح جائعًا مجهودًا" (وَبَاتَ، وَأَصبَحَ صَائِمًا، حَتَّى انْتَصَفَ النهَارُ، فَغُشِيَ عَلَيْهِ) وفي رواية أبي داود: "فلم ينتصف النهار حتى غُشي عليه"، ولا اختلاف بين الروايتين، إذ يمكن حمل الأول على أن الغشي وقع في آخر النصف الأول من النهار. واللَّه تعالى أعلم.
(وَذَلِكَ قَبْلَ أَن تَنْزِلَ هَذِهِ الآيَةُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ) أي أنزل اللَّه تعالى الآية المذكورة
¬__________
(¬1) - "الفتح" ج 4 ص 627 - 628.

الصفحة 381