كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 20)

والمنع مطلقًا، عن أبي إسحاق المروزيّ، والقاضي أبي حامد، والصيرفيّ. ثالثها: جواز تأخير بيان المجمل دون العامّ. رابعها. عكسه، وكلاهما عن بعض الشافعيّة.
وقال ابن الحاجب: تأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع إلا عند مجوّز تكليف ما لا يطاق، يعني وهم الأشاعرة، فيجوّزونه، وأكثرهم يقولون. لم يقع.
قال شارحه: والخطاب المحتاج إلى البيان ضربان:
"أحدهما": ما له ظاهر، وقد استعمل في خلافه. و"الثاني": ما لا ظاهر له، فقالت طائفة من الحنفية، والمالكيّة، وأكثر الشافعية: يجوز تأخيره عن وقت الخطاب، واختاره الفخر الرازيّ، وابن الحاجب، وغيرهم، ومال بعض الحنفية والحنابلة كلهم إلى امتناعه. وقال الكرخيّ: يمتنع في غير المجمل.
وإذا تقرّر ذلك، فقد قال النوويّ تبعًا لعياض: وإنما حَمَلَ الخيط الأبيض والأسود على ظاهرهما بعضُ من لا فقه عنده من الإعراب، كالرجال الذين حكى عنهم سهل، وبعض من لم يكن في لغته استعمال الخيط في الصبح كعديّ.
وادعى الطحاويّ، والداوديّ أنه من باب النسخ، وأن الحكم كان أولاً على ظاهره المفهوم من الخيطين، واستدل على ذلك بما نقل عن حذيفة وغيره من جواز الأكل إلى الإسفار، قال: ثم نسخ بعد ذلك بقوله تعالى. {مِنَ الْفَجْر}
قال الحافظ: ويؤيد ما قاله ما رواه عبد الرزاق بإسناد رجاله ثقات. "إن بلالاً أتى النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وهو يتسحّر، فقال: الصلاة يا رسول اللَّه، قد واللَّه أصبحت، فقال: "يرحم اللَّه بلالاً، لولا بلال لرجونا أن يرخّص لنا حتى تطلع الشمس".
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: في تأييد هذا الحديث للنسخ المذكور خفاء، فليُتأمّل. واللَّه تعالى أعلم.
ويستفاد من هذا الحديث -كما قال عياض- وجوب التوقّف عن الألفاظ المشتركة، وطلب بيان المراد منها، وأنها لا تحمل على أظهر وجوهها، وأكثر استعمالاتها إلا عند عدم البيان.
وقال ابن بزيزة في "شرح الأحكام". ليس هذا من باب تأخير بيان المجملات؛ لأن الصحابة عملوا أوّلاً على ما سبق إلى أفهامهم بمقتضى اللسان، فعلى هذا فهو من باب تأخير ما له ظاهر أريد به خلاف ظاهره.
قال الحافظ: وكلامه يقتضي أن جميع الصحابة فعلوا ما نقله سهل بن سعد، وفيه نظر.
واستدلّ بالآية، والحديث على أن غاية الأكل والشرب طلوع الفجر، فلو طلع

الصفحة 389