كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 21)

جلّ وتعالى حجابًا يحجبه عن الناس. ويحتمل كما قال الفاكهيّ أن يراد بالحجاب هنا المعنويّ، دون الحسيّ انتهى (¬1).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ليت شعري ما الذي يعنيه بنفي الحجاب؟، كيف ينفي حجاب اللَّه تعالى، من يسمع الحديث الصحيح، كحديث أبي موسى الأشعريّ - رضي اللَّه عنه -، قال: قام فينا رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، بخمس كلمات، فقال: "إن اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يَخفِض القسط، وَيرفعه، يُرفَع إليه عملُ الليل، قبل عمل النهار، وعمل النهار، قبل عمل الليل، حجابه النورُ". وفي روايةٍ: "النارُ"، لو كشفه، لأحرقت سُبُحاتُ وجهه، ما انتهى إليه بصره، من خلقه". أخرجه مسلم في "صحيحه". وغير ذلك من النصوص الصحيحة الصريحة في إثبات الحجاب؟، إن هذا لهو العَجَب العُجَاب.
ومن العجيب أن صاحب "الفتح" قد ذكر أيضًا نحو هذا الكلام مُقررًا له، وراضيا به.
والحقّ أننا نثبت ما أثبته اللَّه تعالى لنفسه، من حجاب، أو غيره، على المعنى اللائق به سبحانه وتعالى، فلا نعطّل، ولا نشبّه. ولقد صدق في قوله: كان - صلى اللَّه عليه وسلم - يخاطب العرب بما تفهم.
ونحن- وللَه الحمد- نكتفي بما تفهمه العرب، واكتفت به من ظواهر النصوص التي بلّغها النبيُّ - صلى اللَّه عليه وسلم - أُمَّتَهُ، لأنه هو الصراط المستقيم الذي أوجب اللَّه على عموم الثقلين أن يتّبعوه، وأوجب عليهم أيضًا اعتقاد ما فهموه، فلو كان هذا الذي فهمته العرب غير مراد لبادر - صلى اللَّه عليه وسلم - إلى أنه غير مراد، وبيّن أن المراد كذا وكذا، فقد بيّن جميع ما يحتاج إليه المكلّف، من المعتقدات، والأعمال بيانا شافيًا. كما أمره اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- بقوله: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} الآية [النحل: 44]
فيا أيها العاقل لا تكن أسير التقليد، فإنه حجة البليد، وملجأ العنيد. اللَّهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عباك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنا لما اختُلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم، اللَّهمّ أرنا الحقّ حقًا، وارزقنا اتّباعه، وأرنا الباطل باطلاً، وارزقنا اجتنابه، آمين. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
¬__________
(¬1) - "الإعلام" ج5 ص 28 - 29.

الصفحة 369