كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 21)

مُحْرِمٌ، وهو الذي لم يُحلَّ من نفسه شيئًا يوقع به، يريد أن المسلم معتصم بالإسلام، ممتنع بحرمته ممن أراده، أو أراد ماله انتهى (¬1).
ومثله لابن منظور في "لسانه": ونصّه: ورُوي عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - أنه قال: "كلُّ مسلم على مسلم مُحرِمٌ، أخوان نصيران". قال أبو العبّاس: قال ابن الأعرابيّ: يقال: إنه لَمُحْرِمٌ عنك: أي يُحَرِّمُ أذاك عليه؛ قال الأزهريّ: وهذا بمعنى الخبر، أراد أنه يَحْرُم على كلّ واحد منهما أن يؤذي صاحبه لِحُرْمة الإسلام المانعة عن ظلمه. ويقال: مسلم مُحْرِمٌ، وهو الذي لم يُحِلّ من نفسه شيئًا يوقع به، إلى آخر ما تقدّم في كلام ابن الأثير (¬2).
وقوله: "أخوان نصيران": خبر لمحذوف، أي هما أخوان، "نصيران" أي يتناصران، ويتعاضدان، والنصير: فَعِيل بمعنى فاعل، ويجوز أن يكون بمعنى مفعول (¬3).
وقوله: "لا يَقبل اللَّه من مسلم الخ": يعني أن من شرط قبول الإسلام الهجرةَ، ومفارقةَ دار المشركين إلى دار الإسلام، فإن ذلك واجب على كلّ من آمن، فمن ترك فهو عاص يستحقّ ردّ العمل، والظاهر أن هذا محمول على ما قبل فتح مكة، أو يُحمل على من لا يستطيع أن يظهر شعائر الإسلام في دار الكفر.
وقوله: "أو يفارقَ" منصوب بـ"أن مضمرة بعد "أو" التي بمعنى "حتى"، على حدّ قول الشاعر [من الطويل]:
لأَسْتَسْهِلنَّ الصَّعْبَ أَو أُدْرِكَ الْمُنَى ... فَمَا انْقَادَتِ الآمَالُ إِلاَّ لِصَابِرِ
وإلى هذا أشار ابن مالك في "خلاصته" بقوله:
كذَاكَ بَعْدَ "أو" إِذَا يَصْلَحُ فِي ... مَوْضِعِهَا "حَتَّى" أَوِ "إلَّا" "أَنْ" خَفِي
زاد في رواية أحمد المتقدّمة: "ما لي أُمسك بِحُجَزِكُم عن النار، أَلَا إن ربي داعيَّ، وإنه سائلي، هل بَلَّغتَ عبادي، وأنا قائل له: رب قد بلغتهم، ألا فليبلغ الشاهد، منكم الغائب، وثم إنكم مَدعُوُّون، ومُفَدَّمَة أفواهكم بالفِدَام (¬4)، وإن أول ما يبين"، وقال بواسط: "يترجم" قال: وقال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - بيده، على فخذه، قال: قلت: يا رسول اللَّه، هذا ديننا، قال: "هذا دينكم، وأينما تحسن يكفك" انتهى. واللَّه تعالى أعلم
¬__________
(¬1) - "النهاية" ج1 ص 372.
(¬2) - راجع "لسان العرب" ج 2 ص 848 في مادة حرم.
(¬3) - "جامع الأصول" ج1 ص 234.
(¬4) - في "ق": الفِدام، ككتاب، وسَحاب، وشدّاد، وتَنُّور: شيء تشُدّه العجم، والمجوس على أفواهها عند السقي، والْمِصْفَاةُ. قال: وفَدَمَ فاه، وعليه بالفِدَامِ، وفدّمه: وضعه عليه. انتهى.

الصفحة 381