كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 21)

كماله، فإذا حمد اللَّه تعالى حامدٌ مستحضرًا معنى الحمد في قلبه امتلأ ميزانه من الحسنات، فإذا أضاف إلى ذلك "سبحان اللَّه" الذي معناه تبرئة اللَّه، وتنزيهه عن كلّ ما لا يليق به من النقائص ملأت حسناته، وثوابها زيادة على ذلك ما بين السموات والأرض؛ إذ الميزان مملوء بثواب التحميد، وذكر السموات والأرض على جهة الإغياء (¬1) على العادة العربية، والمراد أن الثواب على ذلك كثير جدًّا، بحيث لو كان أجساماً لملأ ما بين السموات والأرض انتهى (¬2).
[تنبيه]: ذكر الإمام ابن كثير -رحمه اللَّه تعالى- في "تفسيره" 2/ 203 اختلاف العلماء فيما هو الموزون، هل هي الأعمال، أم ثوابها؟ فقال: عند قوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ} الآية [الأعراف: 8]-: والذي يوضع في الميزان يوم القيامة قيل: الأعمال، وإن كانت أعراضا، إلا أن اللَّه تعالى يقلبها يوم القيامة أجساما، قال البغوي: يُرْوَى نحوُ هذا عن ابن عباس، كما جاء في "الصحيح" من "أن البقرة، وآل عمران، يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو غيايتان، أو فرقان من طير صواف" .. ومن ذلك في "الصحيح" قصة القرآن، وإنه "يأتي على صاحبه في صورة شاب شاحب اللون، فيقول. من أنت؟ فيقول: أنا القرآن الذي أسهرت ليلك، وأظمأت نهارك". وفي حديث البراء في قصة سؤال القبر: "فيأتي المؤمن شاب حسن اللون طيب الريح، فيقول: من أنت؟ فيقول أنا عملك الصالح"، وذكر عكسه في شأن الكافر والمنافق.
وقيل: يوزن كتاب الأعمال، كما جاء في حديث البطاقة في الرجل الذي يؤتى به، ويوضع له في كفة تسعة وتسعون سِجِلاًّ، كل سِجِلّ مد البصر، ثم يؤتى بتلك البطاقة فيها لا إله إلا اللَّه، فيقول: يا رب وما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقول اللَّه تعالى: إنك لا تظلم، فتوضع تلك البطاقة في كفة الميزان, قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "فطاشت السجلات، وثقلت البطاقة"، رواه الترمذي بنحو من هذا، وصححه.
وقيل: يوزن صاحب العمل، كما في الحديث: "يؤتى يوم القيامة بالرجل السمين، فلا يزن عند اللَّه جناح بعوضة، ثم قرأ: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف: 105]، وفي مناقب عبد اللَّه بن مسعود، أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - قال: "أتعجبون من دقة ساقيه، والذي نفسي بيده لهما في الميزان أثقل من أحد".
وقد يمكن الجمع بين هذه الآثار بأن يكون ذلك كله صحيحا، فتارة توزن الأعمال، وتارة توزن محالها، وتارة يوزن فاعلها. واللَّه أعلم. انتهى كلام ابن كثير -رحمه اللَّه تعالى-.
¬__________
(¬1) - "الإغياء": بلوغ الغاية، يقال: أغيا الرجل: بلغ الغاية.
(¬2) - "المفهم" ج1 ص 475 - 476.

الصفحة 387