كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 21)

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الجمع الذي ذكره الإمام ابن كثير -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- في وجه الجمع حسنٌ جدّا؛ إذ به تجتمع النصوص المذكورة ونحوها، دون تعارض. واللَّه تعالى أعلم.
(وَالصَّلاَةُ نُورٌ) قال أبو العباس القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: معناه: أن الصلاة إذا فُعلت بشروطها المصحّحة، والمكمّلة نوّرت القلب؛ بحيث تشرق فيه أنوار المكاشفات والمعارف، حتى ينتهي أمر من يراعيها حقّ رعايتها أن يقول: "وجُعلت قرّة عيني في الصلاة" (¬1) وأيضًا فإنها تنوّر بين يدي مُراعيها يوم القيامة في تلك الظُّلَم. وأيضًا تنوّر وجه المصليّ يوم القيامة، فيكون ذا غرّة وتحجيل، كما ورد في حديث عبد اللَّه بن بُسْر - رضي اللَّه عنه -، مرفوعًا: "أمتي يوم القيامة غُرٌّ من السجود، محجّلون من الوضوء" (¬2) انتهى كلام القرطبيّ (¬3) واللَّه تعالى أعلم.
وقال النوويّ -رحمه اللَّه تعالى-: معناه: أنها تمنع من المعاصي، وتنهى عن الفحشاء والمنكر، وتهدي إلى الصواب؛ كما أن النور يُستضاء به. وقيل: معناه أنه يكون أجرها نورًا لصاحبها يوم القيامة. وقيل: لأنها سبب لإشراق أنوار المعارف، وانشراح القلب، ومكاشفات الحقائق؛ لفراغ القلب فيها، وإقباله إلى اللَّه تعالى بظاهره وباطنه، وقد قال
اللَّه تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} الآية [البقرة: 45]. وقيل: معناه أنها تكون نورًا ظاهرًا على وجهه يوم القيامة، ويكون في الدنيا أيضا على وجهه البهاء، بخلاف من لم يصلّ. واللَّه أعلم. انتهى (¬4).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: لا مانع من إرادة جميع هذه المعاني في هذا الحديث، فلا تدافع بين هذه الأقوال، لأن النصّ يحتمل جميعها. واللَّه تعالى أعلم.
(وَالزَّكَاةُ بُرْهَانٌ) ولفظ مسلم: "والصدقة برهان". أي دليل على صدق صاحبها في دعوى الإيمان؛ إذ الإقدام على بذل المال خالصًا للَّه تعالى لا يكون إلا ممن هو صادق في إيمانه.
وقال النوويّ -رحمه اللَّه تعالى-: قال صاحب "التحرير": معناه يُفزَع إليها كما يُفزَع إلى البراهين، كأن العبد إذا سئل يوم القيامة عن مصرف ماله كانت صدقاته براهين في جواب هذا السؤال، فيقول: تصدّقت به. قال: ويجوز أن يوسم المتصدّق بسيماء
¬__________
(¬1) - حديث صحيح، رواه أحمد 3/ 128 و 199 و 285. وسيأتي للمصنّف 7/ 62.
(¬2) - رواه أبو أحمد الحاكم، وقال غريب. انظر"كنز العمال" 34534. و"فيض القدير" 2/ 184.
(¬3) - "المفهم" ج1 ص 476.
(¬4) - "شرح مسلم" ج 3 ص 97.

الصفحة 388