كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 21)

الصبر أن لا يعترض على المقدور، فأما إظهار النبلاء، لا على وجه الشكوى، فلا ينافي الصبر، قال اللَّه تعالى في أيوب - عليه السلام -: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ} الآية [ص: 44]. مع أنه قال: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ} الآية [الأنبياء: 83]. واللَّه تعالى أعلم انتهى كلام النوويّ (¬1).
(وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ، أَوْ عَلَيْكَ") قال القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: يعني أنك إذا امتثلت أوامره؛ واجتنبت نواهيه، كان حجة لك في المواقف التي تُسأل فيها عنه، كمسألة الملكين في القبر، والمسألة عند الميزان" وفي عقبات الصراط، وإن لم تمتثل ذلك احتُجّ به عليك. ويحتمل أن يُراد به أن القرآن هو الذي يُنتهى إليه عند التنازع في المباحث الشرعية، والوقائع الحكمية، فيه تَستَدلّ على صحّة دعواك، وبه يَستَدلّ عليك خصمك انتهى.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: المعنى الأول هو الذي يدلّ عليه السياق، فافهم، واللَّه تعالى أعلم.
زاد مسلم في روايته: "كلّ الناس يَغدو، فبايعٌ نفسه، فمعتقها، أو موبقها".
قال القرطبيّ في شرحه: "يغدو": بمعنى يُبكّر، يقال: الناس فريقان: غَدَا: إذا خرج صباحًا في مصالحه يغدو، وراح: إذا رجع بعشيّ، ومعنى ذلك أن كلّ إنسان يُصبح ساعيًا في أموره، متصرفًا في أغراضه، ثم إما أن تكون تصرّفاته بحسب دواعي الشرع والحقّ، فهو الذي يبيع نفسه من اللَّه، وهو بيع آثل إلى عتق وحرّيّة؛ كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} الآية [التوبة: 111] ومنه قول ابن مسعود - رضي اللَّه عنه -: "الناس غاديان، فبائع نفسه، فموبقها، أو مُفاديها، فمعتقها" (¬2) انتهى كلام القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث أبي مالك الأشعريّ - رضي اللَّه عنه - هذا أخرجه مسلم.
(المسألة الثانية): في بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا- 1/ 2437 - وفي "الكبرى" 2217. وأخرجه (م) في "الطهارة" 223
¬__________
(¬1) - "شرح مسلم" ج 3 ص 97.
(¬2) - قال الهيثميّ في "مجمع الزوائد": 10/ 236: رواه الطبرانيّ، وإسناده جيّد.

الصفحة 390