كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 22)

وخُلق على صورة الشجاع. ويحتمل أن اللَّه تعالى خلق الشجاع لعذابه.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: المعنى الأول هو الأقرب، لظاهر النصّ. واللَّه تعالى أعلم.
قال: وقيل: خصّ الشجاع بذلك لشدّة عداوة الحيّات لبني آدم انتهى.
وزاد في حديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -: "له زَبيبتان": وهو تثنية زَبيبة -بفتح الزاي، وموحدتين- وهما الزبدتان اللتان في الشدقين، يقال: تكلّم حتى زبد شدقاه، أي خرج الزبد منهما. وقيل: هما النكتتان السوداوان فوق عينيه. وقيل: نقطتان يكتنفان فاه. وقيل: هما في حلقه بمنزلة زَنَمَتي العَنْز. وقيل: لحمتان على رأسه مثل القرنين. وقيل: نابان يخرجان من فيه (¬1).
(وَهُوَ يَفِرُّ مِنْهُ) أي يفرّ صاحب المال من ذلك الشجاع خوفًا من أذاه، وهذا في أول الأمر قبل أن يصير طَوْقًا في عنقه. ولفظ "الكبرى": "وهو يَقدُمُه"، والظاهر أنه بضم الدال، أي يتقدّمه فرارًا منه (وَهُوَ يتْبَعُهُ) أي يتبع الشجاعُ الرجلَ، وفي حديث جابر - رضي اللَّه عنه - عند مسلم: "يتبعه فاتحًا فاه، فإذا أتاه فرّ منه، فيناديه: خذ كنزك الذي خبأته، فأنا عنه غنيّ، فإذا رأى أن لا بدّ منه، سلك يده في فيه، فيَقْضِمها قَضْمَ الفحل".
(ثُمَّ قَرَأَ) النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وفي رواية للترمذيّ: "قرأ رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -"، ولابن ماجه: "ثم قرأ علينا رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -" (مِصْدَاقَهُ) -بكسر، فسكون- أي ما يشهد لصدقه. قال في "القاموس": مِصْداق الشيء: ما يُصَدِّقُهُ انتهى (مِنْ كِتَابِ اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ} بالمدّ أي أعطاهم ({مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 180]) ظاهر الآية أنه يُجعل قدر الزكاة طَوْقًا له؛ لأنه الذي بخل به، وظاهر الحديث أنه كلّ المال، ويمكن أن يقال: المراد في الآية ما بخلوا بزكاته، وهو كلّ المال، فيرجع إلى معنى الحديث. واللَّه تعالى أعلم.
والحديث يدلّ على أن المراد بالتطويق في الآية الحقيقة، خلافا لمن قال: إن معناه سيطوقون الإثم.
[فإن قلت]: كيف يجمع بين هذه الآية، وبين قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ} الآية؟ [التوبة: 34، 35]
[قلت]: فيه جوابان:
¬__________
(¬1) - راجع "الفتح" ج 4 ص 15.

الصفحة 10