كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 22)

تعالى أعلم (كَانَتْ لَهُ إِبِلٌ، لَا يُعْطِي حَقَّهَا) أي لا يؤدّي زكاتها، أو أعمّ من ذلك.
وسأتي من طريق الأعرج، عن أبي هريرة -6/ 2448 - زيادة: "ومن حقها أن تُحلب على الماء"، ويأتي الكلام عليه هناك، إن شاء اللَّه تعالى (فِي نَجْدَتَهِا وَرِسْلِهَا") قال في "النهاية": النَّجْدة -أي بفتح، فسكون-: الشدّة، والرِّسْلُ -بالكسر-: الْهِينَة، والتأنّي.
قال الجوهريّ: يقال: افعل كذا وكذا على رِسْلِكَ -بالكسر-: أي اتْئد فيه، كما يقال: على هِينَتك. قال: ومنه الحديث: "إلا من أعطى في نَجْدتها، ورسلها": أي الشّدّة والرخاء، يقول: يُعطي، وهي سِمَانٌ حِسَانٌ، يشتدّ عليه إخراجها، فتلك نجدتها، وُيعطي في رِسْلِها، وهي مَهَازيلُ مُقاربة. وقال الأزهريّ: معناه: إلا من أعطى في إبله ما يَشُقّ عليه إعطاؤه، فيكون نَجْدةً عليه، أي شِدَّةً، ويعطي ما يَهُون عليه إعطاؤه منها مُستَهِينًا على رِسْلِهِ. وقال الأزهريّ: وقال بعضهم (¬1): "في رِسْلِها": أي بطيب نفس منه. وقيل: ليس للَّهُزال فيه معنى؛ لأنه ذَكَرَ الرِّسْل بعد النّجْدة على جهة التفخيم للإبل، فجرى مجرى قولهم: إلا من أعطَى في سِمَنها وحُسْنها، ووُفُور لبنها، وهذا كلّه يرجع إلى معنى واحد، فلا معنى للهُزَالِ, لأن من بذل حقّ اللَّه من المضنون به، كان إلى إخراجه مما يَهُون عليه أسهل، فليس لِذكرِ الْهُزَال بعد السمن معنى.
قال صاحب "النهاية": والأحسن -واللَّه أعلم- أن يكون المراد بالنجدة الشدّة، والْجَدْب، وبالرسل الرخاء والْخِصْب؛ لأن الرسل اللبنُ، وإنما يكثر في حال الرخاء والخصب، فيكون المعنى أنه يُخرج حقّ اللَّه في حال الضيق والسعة، والجدب والخصب؛ لأنه إذا أخرج حقّها في سنة الضيق والجدب، كان ذلك شاقّا عليه، فإنه إجحاف، وإذا أخرجها في حال الرخاء، كان ذلك سهلاً عليه، ولذلك (قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا نَجْدَتُهَا وَرِسْلُهَا؟، قَالَ: "فِي عُسْرِهَا وَيُسْرِهَا) فسَمَّى النَّجْدَة عُسرًا، والرِّسْلَ يُسرًا؛ لأن الجدب عسر، والخصب يُسر، فهذا الرجل يعطي حقّها في حال الجدب والضيق، وهو المراد بالنجدة، وفي حال الخصب والسعة، وهو المراد بالرسل، واللَّه أعلم انتهى كلام صاحب "النهاية" بتغيير يسير (¬2).
(فَإِنَّهَا تَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَأَغَذٍّ مَا كَانَتْ) بالغين، والذال المعجمتين: أي أسرع، وأنشط، يقال: أغَذّ يُغَذّ: إذا أسرع في السير. و"أغذّ" مضاف إلى "ما" المصدية، والوقتُ مقدّر، وهو متعلق بحال محذوف، أو الكاف اسم بمعنى "مثل": أي تأتي حال كونها مماثلة لأكمل أحوالها، من الإسراع، والنشاط.
¬__________
(¬1) - هو ابن الأعرابيّ، كما صرّح به الهرويّ، كما في "اللسان".
(¬2) - "النهاية في غريب الحديث والأثر" ج 2 ص 222 - 223.

الصفحة 13