كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 22)

ثمنه؟ قال: إن شاء أخرج ثمرًا، وإن شاء أخرج من الثمن. وهذا دليل على جواز إخراج القيم. ووجهه قول معاذ لأهل اليمن: "ايتوني بخميس، أو لبيس، آخذه منكم، فإنه أيسر عليكم، وأنفع للمهاجرين بالمدينة". وقال سعيد: حدّثنا سفيان، عن عمرو، عن طاوس، قال: لَمّا قدم معاذ اليمن، قال: "ائتوني بعرض ثياب، آخذه منكم مكان الذرة، والشعير، فإنه أهون عليكم، وخير للمهاجرين بالمدينة". قال: وحدّثنا جرير، عن ليث، عن عطاء، قال: كان عمر بن الخطّاب يأخذ العروض في الصدقة من الدراهم؛ ولأن المقصود دفع الحاجة، ولا يختلف ذلك بعد اتحاد قدر الماليّة باختلاف صور المال.
قال ابن قدامة: ولنا قول ابن عمر: "فرض رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - صدقة الفطر، صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير، فإذا عدل عن ذلك، فقد ترك المفروض. وقال النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "في أربعين شاةً شاةٌ، وفي مائتي درهم خمسة دراهم". وهو وارد لبيان مجمل قوله تعالى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43]، فتكون الشاة المذكورة هي الزكاة المأمور بها، والأمر للوجوب انتهى.
وقد وافق الإمام البخاريّ في ذلك الحنفيّةَ، فقال بجواز إخراج العروض في الزكاة، إذا كانت بقيمتها، إذ ترجم بقوله: "باب الْعَرْضِ في الزكاة"، وذكر فيه أثر طاوس المتقدّم، وغيره من الأحاديث. وقد أجاب الجمهور عن جميع ذلك. وقد تقدّم البحث عن ذلك.
وقال الشوكانيّ -رحمه اللَّه تعالى- في كتابه "السيل الجرّار" في شرح قول صاحب "حدائق الأزهار": "إنما تجزئ القيمة للعذر": أقول هذا صحيح؛ لأن ظاهر الأحاديث الواردة بتعيين قدر الفطرة من الأطعمة أنّ إخراج ذلك مما سمّاه النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - متعيّنٌ، وإذا عرض مانع من إخراج العين، كانت القيمة مجزئة؛ لأن ذلك هو الذي يمكن مَنْ عليه الفطرة، ولا يجب عليه ما لا يدخل تحت إمكانه انتهى كلام الشوكانيّ (¬1).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي قاله الشوكانيّ -رحمه اللَّه تعالى- هو الأرجح عندي.
والحاصل أن دفع عين ما وجب في زكاة الفطر، أو زكاة المال هو المتعيّن، فإن لم يتيسّر جازت القيمة؛ لقول اللَّه تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} الآية، وقوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} الآية، وقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "إذا أمرتكم بشيء، فائتوا منه ما
¬__________
(¬1) - راجع "السيل الجرّار" ج 2 ص 86.

الصفحة 300