منصور عن محمد بن الحسن، قال: ولذلك استدل بقصّة صالح النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وقومه في شِرْب الناقة على إجازة المهايأة. وقال الخفاف في "شرح الخصال": شرائع من قبلنا واجبة علينا إلا في خصلتين: أن يكون شرعنا ناسخًا لها، أو يكون في شرعنا ذكر لها، فعلينا اتباع ما كان من شرعنا، وإن كان في شرعهم مقدّمًا. واختاره ابن الحاجب. وقال ابن الرفعة في "المطلب": إن الشافعيّ نصّ عليه في "الأمّ" في "كتاب الإجارة"، وأنه أظهر القولين في "الحاوي". وقال إمام الحرمين: للشافعيّ ميلٌ إلى هذا، وبنى عليه أصلًا من أصوله في "كتاب الأطعمة"، وتابعه معظم الأصحاب. وقال في "النهاية": وقد استأنس الشافعيّ لصحّة الضمان بقوله تعالى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] فكان الحِمْلُ في معنى الجعالة لمن ينادي في العير بالصواع، ولعله كان معلومًا عندهم، وتعلّق الضمان به. وقال أيضًا في "كتاب الضمان" فيمن حلف لَيَضربنّ عبده مائة سوط، فضربه بالْعِثْكَال (¬1): إنه يبرأ؛ لقصّة أيوب - رضي اللَّه عنه -، واتفق العلماء على أن هذه الآية معمول بها في ملّتنا، والسبب فيه أن الملل لا تختلف في موجب الألفاظ، وفيما يقع بِرًّا وحنثًا. وثبت عن بِن عبّاس - رضي اللَّه عنهما - أنه سجد في "سورة ص"، وقرأ قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90] فاستنبط التشريع من هذه الآية. رواه البخاريّ، وأحمد، وسعيد بن منصور (¬2).
وقال أبو بكر عبد الوهاب: إنه الذي تقتضيه أصول مالك. وكذا قال القرطبيّ: ذهب إليه معظم أصحابنا. وقال ابن العربيّ في "القبس": نصّ عليه مالك في "كتاب الديات" من "الموطأ"، ولا خلاف عنده فيه.
(الثالث): أنه لم يتعبّد فيها بأمر، ولا نهي. حكاه ابن السمعانيّ.
(الرابع): الوقف. حكاه ابن القشيريّ. انتهى كلام الزركشيّ باختصار (¬3).
وقد ذكر الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطيّ -رحمه اللَّه تعالى- في كتابه "نثر الورود، شرح مراقي السعود" عند قول الناظم:
وَلَمْ يَكُنْ مُكَلّفًا بِشَرْعِ ... صَلَّى عَلَيْهِ اللَّهُ قَبْلَ الْوَضْعِ (¬4)
وَهُوَ وَالأُمَّةُ بَعْدُ كُلِّفَا ... إلَّا إِذَا التكْلِيفُ بِالنَّصِّ انْتَفَى
وَقِيلَ لَا وَالْخُلْفُ فِيمَا شُرِعَا ... وَلَمْ يَكُنْ دَاعٍ إِلَيْهِ سُمِعَا
¬__________
(¬1) -بالكسر، كقرطاس: الْعِذق. اهـ ق.
(¬2) - أخرجه البخاريّ في "الصحيح" في "الجمعة"، و"الأنبياء"، و"التفسير".
(¬3) - "البحر المحيط" ج 6 ص 41 - 44.
(¬4) -أي قبل نزول الوحي عليه.