كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 22)

لطائف هذا الإسناد:
منها:- أنه من خماسيات المصنف -رحمه اللَّه تعالى-. (ومنها): أن رجاله كلهم رجال الصحيح. (ومنها): أنه مسلسل بالكوفيين. (ومنها): أن فيه رواية تابعي، عن تابعي. واللَّه تعالى أعلم.
شرح الحديث
(عَنْ أَبِي ذَرٍّ) جُندب بن جُنادة - رضي اللَّه عنه - (قَالَ: جِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وَهُوَ جَالِسٌ، فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَلَمَّا رَآنِي، مُقْبِلاً، قَالَ: "هُمُ الْأَخْسَرُونَ) يأتي تفسيره بقوله: "الأكثرون أموالاً" (وَرَبِّ الْكَعْبَةِ") فيه جواز القسم بهذه الصيغة (فَقُلْتُ: مَا لِي) أي أيُ شيء ثبت لي حتى حلف رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - في وجهي هذا الحلف (لَعَلِّي أُنْزِلَ فِيَّ شَيْءٌ) مما يُستَحَقُّ به الوعيدُ (قُلْتُ: مَنْ هُمْ؟، فِدَاكَ أَبِي وَأمِّي) ولفظ مسلم: "قال: فجئت حتى جلست، فدم أتقارّ أن قمتُ، فقلت: يا رسول اللَّه، فداك أبي وأمي من هم؟ (قَالَ: "الأَكْثَرُونَ أَمْوَالًا) أي هم الذين كانوا أكثر الناس أموالاً (إِلاَّ مَنْ قَالَ: هَكَذَا، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا) قال السنديّ -رحمه اللَّه تعالى-: استثناءٌ من هذا الحكم، وفيه رجوع الضمير إلى الحاضر في الذهن، ثم تفسيره للمخاطب إذا سأل عنه، ومعنى: "إلا من قال هكذا": أي إلا من تصدق من الأكثرين في جميع الجوانب، وهو كناية عن كثرة التصدّق، فذاك ليس من الأخسرين.
وقوله: "قال" إما بمعنى "تصدّق"، وقوله: "هكذا" إشارة إلى حَثْيِهِ في الجوانب الثلاث، أي تصدّق في جميع جهات الخير، تصدّقًا كالحثي في الجهات الثلاث. أو بمعنى "فَعَل" أي إلا من فعل بماله فعلاً مثل الحثْيِ في الجهات الثلاث، وهو كناية عن التصدّق العامّ في جهات الخير، وحَثْيُهُ - صلى اللَّه عليه وسلم - بيان للمشار إليه بـ"هكذا"، والعرب تجعل القول عبارة عن جميع الأفعال انتهى كلام السنديّ.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ما قاله السنديّ -رحمه اللَّه تعالى- حسنٌ، إلا قوله: "أو بمعنى فعل الخ، فإنه لا فرق بينه وبين المعنى الأول، فما الذي دعاه إلى أن يذكره احتمالاً ثانيًا؟. فليُتَأَمّل.
وقوله (حَتَّى) هكذا نسخ "المجتبى" التي بين يديّ "حتى" بالتاء المثناة، وهو مصحف من "حتى" بالثاء المثلثة، بدون شكّ، ووقع في "الكبرى" على الصواب، ولفظه: "فَحَثَى بين يديه الخ".
و"الْحَثْيُ": قبض الشيء، ثم رميه، قال الفيّوميّ -رحمه اللَّه تعالى-: حَثَا الرجلُ الترابَ يَحثُوه حَثوًا -ويَحثِيه حَثْيًا، من باب رمى لغةٌ-: إذا هاله بيده، وبعضهم يقول قبضه بيده،

الصفحة 6