كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 23)

(المسألة الثالثة): في فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو مشروعيّة الحجّ بالصغير مطلقًا، سواء كان مميّزًا، أم لا، إذا فَعَل عنه وليّه ما يفعل الحاجّ، وإلى هذا ذهب الجمهور، وسيأتي تحقيق القول فيه في المسألة التالية، إن شاء اللَّه تعالى. (ومنها) أن الصبيّ يثاب على طاعته، ويكتب له حسناته (ومنها): ثبوت الأجر لوليّه إذا حجّ به. (ومنها): مشروعيّة الزيادة في الجواب على السؤال؛ زيادة في الفائدة، وهو من مقاصد البلغاء، ومنه حديث: "هو الطهور ماؤه، الحلّ ميتته"، فإن السؤال كان عن حكم ماء البحر، فزادهم النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - في الجواب حكم ميتته؛ زيادة في الفائدة، أن السؤال هنا كان عن حكم حجّ الصبي، فبينه - صلى اللَّه عليه وسلم - لها، وزادها ثبوت الأجر لها في ذلك، وأما قول كثير من الأصوليين: يجب أن يكون الجواب مطابقًا للسؤال، فليس المراد بالمطابقة عدم الزيادة، بل المراد أن يكون الجواب مفيدًا للحكم المسؤول. وقد تقدّم تحقيق هذا في أوائل هذا الشرح -47/ 59 - عند الكلام على حديث ماء البحر المذكور، فراجعه تستفد.
(ومنها): أن من جهل شيئًا عليه أن يسأل أهل العلم؛ قال اللَّه تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}. (ومنها): أن على النساء أن يسألن عما يجهلنه من الأحكام، كالرجال، وأن يتفقّهن في الدين. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم حجّ الصبيّ:
قال الحافظ أبو عمر ابن عبد البرّ -رحمه اللَّه تعالى-: أجازالحجّ بالصبيّ جماعة العلماء بالحجاز، والعراق، والشام، ومصر. وخالفهم في ذلك أهل البدع، فلم يروا الحجّ بهم، وقولهم مهجور عند العلماء؛ لأن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - حجّ بأُغيلمة بني عبد المطّلب، وقال في الصبيّ: له حجّ، وللذي يُحِجّه أجر. وحجّ أبو بكر بابن الزبير في خرقة. وقال عمر: تُكتب للصبيّ حسناته، ولا تكتب عليه السيّئات. وحجّ السلف قديمًا وحديثًا بالصبيان والأطفال، يُعرّضونهم لرحمة اللَّه. وأخرج أبو داود بإسناد صحيح، عن عبد الملك بن الرَّبيع بن سَبْرة، عن أبيه، عن جدّه، قال: قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "مُرُوا الصبيّ بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، وإذا بلغ عشرًا فاضربوه عليها". فكما تكون له صلاة، وليست عليه، كذلك له حجّ، وليس عليه.
وأكثر أهل العلم يرون الزكاة في أموال اليتامى، ومحالٌ ألا يؤجروا عليها، فالقلم إنما هو مرفوعٌ عنهم فيما أساءوا في أنفسهم، ألا ترى أن ما أتلفوه من الأمول ضمنوه، وكذلك الدماء، عمدهم فيها خطأ يؤديه عنهم من يؤديه عن الكبار في خطئهم.
وأجمع العلماء على أن من حجّ صغيرًا قبل البلوغ، أو حُجّ به طفلاً، ثم بلغ، لم يُجزه ذلك عن حجة الإسلام.

الصفحة 354