كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 23)

وقد شذّت فرقة، فأجازوا له حجه بهذا الحديث، وليس عند أهل العلم بشيء؛ لأن الفرض لا يؤدَّى إلا بعد الوجوب. وهذا ابن عبّاس هو الذي روى هذا الحديث عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وهو الذي كان يفتي بالصبيّ يحجّ، ثم يَحتلم، قال: يحجّ حجة الإسلام. وفي المملوك يحجّ، ثم يُعتَق، قال: عليه الحجّ. ذكر عبد الرَّزَّاق عن الثوريّ، عن أبي إسحاق، عن أبي السفر، عن ابن عبّاس، وعن ابن عيينة، عن مطرّف، عن ابن عباس مثله. وعن الثوريّ، عن الأعمش، عن أبي ظَبْيان، عن ابن عبّاس مثله.
وعلى هذا جماعة علماء الأمصار، إلا داود بن عليّ، فإنه خالف في المملوك، فقال: يجزئه عن حجة الإسلام، ولا يجزئ الصبيّ. وذكر عبد الرزّاق، عن ابن جريج أنه أخبره، عن عطاء، قال: يقضي حجة الصغير عنه، فإذا بلغ فعليه حجة واجبة. قال: وأخبرنا معمرٌ، عن ابن طاوس، عن أبيه مثله.
واختلف الفقهاء في المراهق، والعبد يُحرمان بالحجّ، ثم يَحتلم هذا، ويُعتَق هذا قبل الوقوف بعرفة: فقال مالك: لا سبيل إلى رفض الإحرامين لهذين، ولا لأحد، ويتماديان على إحرامهما, ولا يُجزئهما حجّهما ذلك عن حجة الإسلام.
وقال الشافعيّ: إذا أحرم الصبيّ، ثم بلغ قبل الوقوف بعرفة، فوقف بها محرمًا، أجزأه ذلك عن حجة الإسلام، ولم يحتج واحد منهما إلى تجديد إحرامه.
وقال أبو حنيفة: إذا أحرم الصبيّ، ثم بلغ في حال إحرامه، فإن جدّد إحرامًا قبل وقوفه بعرفة أجزأه، وإن لم يُجدّد إحرامًا لم يُجزئه. قال: وأما العبد؛ فلا يجزئه عن حجة الإسلام، وإن جدّد إحرامًا.
وقال مالك: يُحجّ بالصغير, ويجرّد بالإحرام، وُيمنع من الطيب، ومن كلّ ما يُمنع منه الكبير، فإن قوي على الطواف، والسعي، ورمي الجمار، وإلا طيف به محمولاً، ورُمي عنه، وإن أصاب صيدًا فُديَ عنه، وإن احتاج إلى ما يحتاج إليه الكبير فُعل به ذلك، وفُدي عنه. وهذا كلّه قول الشافعيّ، وأبي حنيفة، وجماعة الفقهاء؛ إلا أن أبا حنيفة قال: لا جزاء عليه في صيد، ولا فدية عليه في لباس، ولا طيب. انتهى كلام ابن عبد البرّ (¬1).
وقال الإمام أبو محمد ابن حزم -رحمه اللَّه تعالى-: ونَستَحبّ الحجّ بالصبيّ، وإن كان صغيرًا، أو كبيرًا, وله حجّ، وأجر، وهو تطوّع، وللذي يَحجّ به أجرٌ، ويجتنب ما يجتنب المحرم، ولا شيء عليه إن واقع من ذلك ما لا يحلّ له، ويُطاف به، وُيرمى عنه الجمار إن لم يطق ذلك، ويجزىء الطائف به طوافُه ذلك عن نفسه، وكذلك ينبغي أن يدرّبوا، ويعلّموا الشرائع، من الصلاة، والصوم، إذا أطاقوا ذلك، ويُجنّبوا الحرام كلّه،
¬__________
(¬1) - راجع "الاستذكار" ج 13ص 329 - 334.

الصفحة 355