كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 23)

فِي الْعَشْرِ كَانَتْ حِجَّةُ الْوَدَاعِ ... لَا يُحْصَرُ الْوَافُونَ بِاطِّلَاعِ
فَقِيلَ كَانُوا أَرْبَعِينَ أَلْفًا ... أَوْ ضِعْفَهَا وَزِدْ عَلَيْهَا ضِعْفَا
(مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - لِخَمْسٍ) وفي رواية: "لخمس ليال" (بَقِينَ، مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ) بفتح القاف، وتكسر: اسم الشهر الذي بين شوّال، وذي الحجة، قال الفيّوميّ: والجمع ذوات القَعْدة، وذوات الْقَعَدَات، والتثنية ذواتا الْقَعْدّة، وذواتا القَعْدتين، فثنّوا الاسمين، وجمعوهما، وهو عزيز؛ لأن الكلمتين بمنزلة كلمة واحدة، ولا تتوالى على كلمة علامتا تثنية، ولا جمع انتهى.
وكذا وقع في حديث ابن عبّاس - رضي اللَّه تعالى عنهما - عند البخاريّ في "باب الخروج آخر الشهر: من "كتاب الجهاد"، وفي "باب ما يلبس المحرم من الثياب"، من "كتاب الحجّ"، وكذا وقع في حديث جابر - رضي اللَّه تعالى عنه - عند المصنّف - 51/ 2740 - قال القسطلاّنيّ -رحمه اللَّه تعالى-: يقتضي أن تكون قالته عائشة بعد انقضاء الشهر، ولو قالته قبله لقالت: إن بقين انتهى.
وقال الحافظ: فيه استعمال الفصيح في التاريخ, وهو ما دام في النصف الأول من الشهر يؤرّخ بما خلا، وإذا دخل النصف الثاني يؤرّخ بما بقي. وقال أيضًا: فيه ردّ على من منع إطلاق القول في التاريخ؛ لئلا يكون الشهر ناقصًا، فلا يصحّ الكلام، فيقول مثلاً: لخمس، إن بقين بزيادة أداة الشرط، وحجّة الجواز أن الإطلاق يكون على الغالب انتهى. ويؤيّده ما ورد في ليالي القدر عند الترمذيّ من حديث أبي بكرة - رضي اللَّه تعالى عنه -، رفعه: "التمسوها في تسع يبقين، أو سبع يبقين ... " الحديث. وما وقع في حديث آخر: "في تاسعة تبقى، وسابعة تبقى".
واختُلف في يوم خروجه - صلى اللَّه عليه وسلم - من المدينة، والراجح أنه يوم السبت، وسيأتي تحقيق الخلاف فيه في المسألة الرابعة، إن شاء اللَّه تعالى.
زاد في الرواية الآتية -58/ 2764 - من طريق عروة، عن عائشة: "في عام حجة الوداع" -بكسر الحاء المهملة، وفتحها، وبفتح الواو، وكسرها، قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- تَعَالَى-: سميت بذلك؛ لأن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - ودّع الناس فيها، وقال: "لعلَّي لا أحُجّ بعد عامي هذا"، فلم يحجّ بعد الهجرة غيرها، وكانت سنة عشر من الهجرة. وفيه دليل على أنه لا بأس بالتسمية بذلك؛ خلافًا لمن كرهه، وتُسمّى "البلاغ" أيضًا؛ لأنه - صلى اللَّه عليه وسلم - قال فيها: "هل بلّغتُ"، و"حجة الإسلام"؛ لأنها التي حجّ فيها بأهل الإسلام، ليس فيها مشرك انتهى.
(لَا نُرَى) بضم النون: أي لا نظنّ. وقال ابن التين: ضبطه بعضهم بفتح النون، وبعضهم بضمّها (¬1) (إِلاَّ الْحَجَّ) وفي رواية عنها: "لا ننوي إلا الحجّ"، وفي أخرى: "لا
¬__________
(¬1) - "عمدة القاري" ج 8ص 31.

الصفحة 361