كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 23)

التاءين، وأصله تتصدّق، كما قال ابن مالك -رحمه اللَّه تعالى- في "الخلاصة":
وَمَا بِتَاءَيْنِ ابْتُدِي قَدْ يُقْتَصَرْ ... فِيهِ عَلَى تَا كَتَبَيَّنُ الْعِبَرْ
وهو في تأويل المصدر خبر لمحذوف، أي هي صدقتك، أو مبتدأ خبره محذوفٌ: أي صدقتك، وأنت صحيح الخ أفضل أنواع الصدقة. واللَّه تعالى أعلم.
(وَأَنْتَ صَحِيحٌ) جملة من مبتدإ وخبر في محلّ نصب على الحال، أي والحال أنك صحيح. والمراد بالصحيح في هذا الحديث من لم يدخل في مرض مخوف. كذا قيل.
(شَحِيحٌ) صفة لـ "صحيح"، أو خبر بعد الخبر، أي من شأنه الشّحّ للحاجة إلى المال. وقال ابن الملك: قوله: "شحيح" تأكيد، وبيانٌ لـ "صحيح"؛ لأن الرجل في حال صحّته يكون شحيحًا. وفي رواية للبخاريّ في "الوصايا": "وأنت صحيحٌ حريصٌ".
قال في "القاموس": الشحّ -مثلّثة-: البخل والحرص. انتهى. وفي "اللسان":
الشُّحُّ -أي بالضمّ- والشَّحّ- أي بالفتح-: البُخْلُ، والضمّ أعلى. وقيل: هو البخل مع الحرص، وفي الحديث: "إيّاكم والشحّ". والشحّ أشدّ البخل، وهو أبلغ في المنع من البخل. وقيل: البخل في أفراد الأمور، وآحادها، والشحّ عامّ. وقيل: البخل بالمال، والشحّ بالمال والمعروف. انتهى. وقال في "المصباح": شحَّ يَشِحُّ، من باب قتل، وفي لغة من بابي ضرب، وتَعِبَ، فهو شَحِيحٌ، وقومٌ أشحّاءُ، وأشحّة انتهى.
وقال في "الفتح": قال صاحب "المنتهى": الشّحّ: بُخلٌ مع حرص. وقال صاحب "المحكم": "الشحّ" مثلّثٌ الشين، والضمّ أعلى. وقال صاحب "الجامع": كأنّ الفتح في المصدر، والضمّ في الاسم.
(تَأْمُلُ الْعَيْشَ) أي ترجو الحياة. قال في "القاموس": الأَمَلُ، كجَبَلٍ، ونَجْمٍ، وشِبْرٍ: الرَّجاء، جمعه آمالٌ، وأَمَلَهُ أَمْلًا، وأَمَّلَه: رجاه انتهى. وقال في "المصباح": أَمِّل يأْمُلُ أَمَلًا، من باب طَلَب: ترَقّبه، وأكثر ما يُستعمل الأمَلُ فيما يُستبعَدُ حصوله، قال كعب بن زُهَير بن أبي سُلْمَى [من البسيط]:
أَرْجُو وَآمُلُ أَنْ تَدْنُو مَوَدَّتُهَا ... وَمَا إِخَالُ لَدَيْنَا مِنْكِ تَنْوِيلُ
ومَنْ عَزَمَ على السفر إلى بلد بعيدٍ يقول: أَمَلْتُ الوصولَ، ولا يقولُ: طَمِعْتُ إلا إذا قرب منها، فإن الطمع لا يكون إلا فيما قرُبَ حصوله، والرجاء بين الأمل والطمع، فإنّ الراجي قد يخاف أن لا يحصل مأموله، ولهذا يُستعمل بمعنى الخوف، فإذا قوي الخوف استُعمل استعمالَ الأمل، وعليه بيت كعب بن زُهير، وإلا استُعمل بمعنى الطمع، فأنا آمِلٌ، وهو مأمولٌ على فاعل ومفعول. وأَمّلته تأميلًا مبالغة وتكثيرٌ، وهو أكثر من استعمال المخفّف. انتهى.

الصفحة 6