كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 24)

عمر سبقه إلى المعرّس، فأبطأ عليه، فقال: ما حبسك؟، فذكر عذرًا، فقال: ظننت أنك أخذت الطريق، ولو فعلتَ لأوجعتك ضربًا.
(رابعها): أنه من مناسك الحجّ، وهذا شيء اقتضت عبارة ابن عبد البرّ في "التمهيد" حكايته عن ابن عمر، فإنه قال: وليس ذلك من سنن الحجّ، ومناسكه التي يجب على تاركها فدية، أو دم، عند أهل العلم، ولكنّه حسنُ عند جميعهم، إلا ابن عمر، فإنه جعله سنّة انتهى. فإن كانت هذه العبارة ليست صريحة في إيجاب ابن عمر فديةً بتركه، فهي صريحة في أن ابن عمر زاد على غيره من أهل العلم في استحبابه زيادةً لم يقولوا بها، فيُعدّ حينئذ مذهبًا غير ما تقدّم انتهى كلام وليّ الدين -رحمه اللَّه تعالى- (¬1).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: أرجح المذاهب عندي ما هب إليه الجمهور من استحباب التعريس في مُعرّس رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - بذي الحليفة؛ اقتداء به - صلى اللَّه عليه وسلم -، حيث أُتي، فقيل له: "صلّ في هذا الوادي المبارك". وفي لفظ: "أُتي فقيل له: إنك ببطحاء مباركة". واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
2660 - (أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ, عَنْ سُوَيْدٍ, عَنْ زُهَيْرٍ, عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ, عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ, عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ, عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "أَنَّهُ -وَهُوَ فِي الْمُعَرَّسِ, بِذِي الْحُلَيْفَةِ- أُتِيَ, فَقِيلَ لَهُ: إِنَّكَ بِبَطْحَاءَ مُبَارَكَةٍ").
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: رجال الإسناد كلهم رجال الصحيح. و"عبدة بن عبد اللَّه": هو الصفّار الخُزَاعيّ، أبو سهل البصريّ كوفيّ الأصل، ثقة [11] 18/ 800.
و"سُويد": هو ابن عمرو الكلبيّ، أبو الوليد الكوفيّ، ثقة عابد، من كبار [10] 67/ 1809.
و"زُهير": هو ابن معاوية بن حُدَيج الجعفيّ، أبو خيثمة الكوفيّ، الثقة الثبت [7] 38/ 42.
وقوله: "وهو في المعرّس الخ" جملة حاليّة معترضة بين اسم "أنّ" وخبرها، وهو جملة "أُتي الخ".
و"المُعَرَّسُ" -بضمّ الميم، وفتح العين المهملة، وتشديد الراء المفتوحة، ثم سين مهملة- بصيغة اسم المفعول: موضع نزول المسافر للاستراحة، وهو هنا موضع تعريس رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - بذي الحليفة، قال الحافظ السيوطيّ في "شرحه": هو على ستة أميال من
¬__________
(¬1) - رجع "طرح التثريب" ج 5ص 181 - 182.

الصفحة 17