كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 24)

بالرجال يمشون، فيأمرهم يركبون هديه"، أي هدي النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - إسناده صالح. قاله الحافظ -رحمه اللَّه تعالى- (¬1).
(ومنها): تكرير الفتوى، والندب إلى المبادرة إلى الامتثال الأمر، وزجر من لم يبادر إلى ذلك، وتوبيخه. (ومنها): جواز مسايرة الكبار في السفر. (ومنها): أن الكبير إذا رأى مصلحة للصغير، لا يأنف عن إرشاده إليها. (ومنها): أن البخاريّ -رحمه اللَّه تعالى- استنبط من هذا الحديث جواز انتفاع الواقف بوقفه، حيث بوّب بقوله: "باب هل ينتفع الواقف بوقفه"، قال: وقد اشترط عمر لا جُناح على من وليه أن يأكل، وقد يلي الواقف وغيره، قال: وكذلك من جعل بدنة، أو شيئًا للَّه، فله أن ينتفع بها كما ينتفع غيره، وإن لم يشترط انتهى.
قال وليّ الدين: وقد قال أصحابنا يجوز أن ينتفع الواقف بأوقافه العامة كآحاد الناس كالصلاة في بقعة جعلها مسجدًا، أو الشرب من بئر وقفها، والمطالعة في كتاب وقفه على المسلمين، والشرب من كيزان سبّلها على العموم، والطبخ في قِدر وقفها على العموم أيضًا، والمشهور عندهم منع وقف الإنسان على نفسه، وهو المنصوص للشافعيّ، ومع ذلك، فاختلفوا فيما لو شرط الواقف النظر لنفسه، وشرط أجرة، هل يصحّ هذا الشرط. وقال النوويّ: الأرجح هنا جوازه. قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح، ويتقيد ذلك بأجرة المثل انتهى (¬2).
(ومنها): أن جواز ركوب الهدي ما لم يضرّ به الركوب؛ لحديث جابر - رضي اللَّه عنه - الآتي بعد باب: "اركبها بالمعروف". وهذا متّفق عليه بين العلماء. قال وليّ الدين: قال الشافعيّة، والحنفية: ومتى نقصت بالركوب ضمن النقصان. ومقتضى نقل ابن عبد البرّ عن مالك أنه لا يضمن انتهى.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ما نقل عن مالك هو ظاهر الحديث. واللَّه تعالى أعلم.
(ومنها): أنه قال الشافعية، والحنفيّة: كما يجوز ركوبها، يجوز الحمل عليها. ورواه ابن أبي شيبة، عن عطاء، وطاوس. ومنع مالك الحمل عليها، وقال: لا يركبها بالمحمل، حكاه ابن المنذر. وظاهر إطلاق الحديث أن له أن يركبها كيف شاء، ما لم يضرّ بها. والحمل مقيس على الركوب. أفاده وليّ الدين.
(ومنها): ما قيل: أنه كما يجوز له الركوب بنفسه يجوز له إقامة غيره في ذلك مقامه
¬__________
(¬1) - "فتح" 4/ 355.
(¬2) - "طرح التثريب" 5/ 147 - 148.

الصفحة 322