كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 24)

وعمرة، ومنا من أهل بالحج ... الحديث (بالْحَجِّ خَالِصًا، لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ) هذا بيان لمعنى "خالصًا". وقوله (خَالِصًا وَحْدَهُ) مؤكّد لما قَبله (فقَدِمْنَا مَكَّةَ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ، مَضَتْ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ) يعني أنهم وصلوا إلى مكة صباح الليلة الرابعة التي مضت من شهر ذي الحجة، وتلك الصبيحة صبيحة يوم الأحد (فَأمَرَنَا النَّبِيُّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فَقَالَ: "أَحِلُّوا، وَاجْعَلُوهَا عُمرَةً) أي اجعلوا الحجة التي قدمتم بها عمرة، بأن تطوفوا، وتسعوا، وتقصروا، وتتحللوا (فَبَلَغَهُ عَنَّا أَنّا نَقُولُ: لَمَّا لَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَرَفَةَ، إِلَّا خَمْسٌ) أي خمس ليال، وهي ليالي: الاثنين، والثلاثاء، والأربعاء، والخميس، الجمعة (أَمَرَنَا أَنْ نَحِلِّ) بضم أوله، وفتحه (فَنَرُوحَ إِلَى مِنًى، وَمَذَاكِيرُنَا تَقْطُرُ مِنَ الْمَنِيِّ) هذا كناية عن قرب جماع النساء (فَقَامَ النبيُّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فَخَطَبَنَا، فَقَالَ: قَدْ بَلَغَنِي الَّذِي قُلْتُمْ) أي من قولهم: لما لم يكن الخ (وَإِنِّي لأبَرُّكُمْ) أي أطوعكم للَّه تعالى (وَأَتْقَاكم) له سبحانه (وَلَوْلا الْهَدْيُ لَحَلَلْتُ) أي لولا سوقي الهدي معي من المدينة (وَلَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي، مَا استَدْبَرْتُ) أي لو علمت في ابتداء شروعي ما علمته الآن من لحوق المشقّة بكم بانفرادكم بالفسخ، حتى توقفتم، وترددتم، وراجعتموني في ذلك (مَا أَهدَيْتُ") جواب "لولا"، أي ما سقت الهدي معي، بل أهللت بحج، ثم فسخت معكم، وهذا قاله - صلى اللَّه عليه وسلم - تشجيعًا لهم على امتثال أمره.
(قَالَ) جابر - رضي اللَّه عنه - (وَقَدِمَ عَليِّ) ابن أبي طالب - رضي اللَّه عنه - (مِنَ الْيَمَنِ، فَقَالَ) له النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - ("بِمَا أَهْلَلْتَ؟ ") "ما" استفهامية، وثبتت ألفها مع الجارّ على قلّة.
[فائدة]: القاعدة في "ما" الاستفهاميّة عند الجمهور وجوب حذف ألفها إذا كانت مجرورة، كما في قوله تعالى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ}، قال ابن مالك -رحمه اللَّه تعالى- في "الخلاصة":
و"مَا" فِي الاسْتِفْهَامِ إِنْ جُرَّتْ حُذِفْ ... أَلِفُهَا وَأَوْلِهَا الْهَا إِنْ تَقِفْ
وقد تثبت بقلة، كما في قول الشاعر:
عَلَى مَا قَامَ يَشْتِمُنِي لَئِيمٌ ... كخِنْزِيرٍ تَمَرَّغَ فِي الرَّمَادِ
وحكاه الأخفش لغة -رحمه اللَّه تعالى-، (¬1)، وإليه ذهب الفرّاء -رحمه اللَّه تعالى- في كتابه "معاني القرآن"، حيث أعرب "ما" في قوله تعالى: {بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي} استفهاميّة، قال: وقد أتمّها الشاعر، وهي استفهاميّة، فقال [من البسيط]:
إِنَّا قَتَلْنَا بِقَتْلاَنَا سَرَاتَكُمْ ... أَهْلَ اللَّوَاءِ فَفِيمَا يَكْثُرُ الْقِيلُ (¬2)
¬__________
(¬1) - انظر "التصريح على التوضيح" للشيخ خالد الأزهري 2/ 345.
(¬2) - انظر "معاني القرآن" للفرّاء 2/ 374. وراجع أيضًا "الدرّ المصون في علوم الكتاب المكنون" للسمين الحلبيّ 9/ 256 - 257.

الصفحة 335