كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 24)

(يَا رَسُولَ اللَّه، أَرَأَيْتَ) أي أخبرني (عُمْرَتَنَا هَذِهِ، لِعَامِنَا هَذَا، أَوْ لِلأَبَدِ؟) معناه: هل جواز فسخ الحجّ إلى العمرة لعامنا هذا خاصة، أم للأمة عامة إلى يوم القيامة (قَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (هِيَ لِلأَبَدِ) وفي رواية: "بل لأبد أبد" بإضافة الأول إلى الثاني، و"الأبد": الدهر، أي هذا لآخر الدهر، أو بغير الإضافة، وكرره للتأكيد. وزاد في رواية ابن الجارود، وأحمد: "ثلاث مرات". يعني أن ذلك جائز في كلّ عام، لا يختصّ بعام، دون آخر إلى يوم القيامة، وكرر ذلك ثلاثاً للتأكيد.
وفي رواية لمسلم: فقام سراقة، فقال: يا رسول اللَّه، ألعامنا هذا، أم للأبد؟، فشبك أصابعه واحدة في الأخرى، وقال: "دخلت العمرة في الحجّ مرتين، لا، بل للأبد أبدًا". فتشبيكه - صلى اللَّه عليه وسلم - أصابعه إشارة إلى اشتراك كلّ الأعوام في ذلك بدون اختصاص أحدها. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
[تنبيه]: قد اختَلَفَ العلماء في معنى سؤال سراقة، فقال الجمهور: معناه أن العمرة يجوز فعلها في أشهر الحجّ، إبطالاً لما كان عليه الجاهلية.
وقيل: معناه جواز القران، أي دخلت أفعال العمرة في أفعال الحجّ.
وقيل: معناه سقوط وجوب العمرة. قال الحافظ: وهذا ضعيف؛ لأنه يقتضي النسخ بغير دليل، وقال النوويّ: وسياق الحديث يقتضي بطلان هذا التأويل.
وقال آخرون: معناه فسخ الحجّ إلى العمرة. وهذا هو الذي يؤيّده سياق الحديث، وهو الراجح.
وأما قول النوويّ: إنه ضعيف، فقد رُدَّ عليه، قال الحافظ: وتُعقّب -أي كلام النوويّ- بأن سياق السؤال يقوّي هذا التأويل، بل الظاهر أن السؤال وقع عن الفسخ، والجواب وقع عما هو أعمّ من ذلك حتى يتناول التأويلات المذكورة، إلا الثالث انتهى (¬1).
والحاصل أن الصواب أن سؤال سراقة عن فسخ الحجّ إلى العمرة، وجواب النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - له واضح في ذلك كما ترى؛ لأن الجواب مطابق للسؤال.
وحديث جابر - رضي اللَّه تعالى عنه - هذا متّفق عليه، وقد تقدّم بيان مسائله في 51/ 2740 - واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
2806 - (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ, قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ, قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ, عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ, عَنْ طَاوُسٍ, عَنْ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ, أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, أَرَأَيْتَ عُمْرَتَنَا هَذِهِ, لِعَامِنَا, أَمْ لأَبَدٍ, قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: «هِيَ لأَبَدٍ»).
¬__________
(¬1) - "فتح" 4/ 446.

الصفحة 337