كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 24)

وقال في "الفتح" في "سورة التوبة"، عند شرح حديث: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللَّه السماوات، والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرّم، ورجب مضر، الذي بين جمادى وشعبان": ما حاصله:
وفيه إشارة إلى إبطال ما كانوا يفعلونه في الجاهلية، من تأخير الأشهر الحرم، فقيل: كانوا يجعلون المحرم صفرًا، ويجعلون صفرًا المحرّم؛ لئلا يتوالى عليهم ثلاثة أشهر، لا يتعاطون فيها القتال، فلذلك قال: "متواليات"، وكانوا في الجاهلية على أنحاء: منهم من يسمي المحرم صفرًا، فيُحلّ فيه القتال، ويحرم القتال في صفر، ويسميه المحرم. ومنهم من يجعل ذلك سنة، هكذا، وسنة هكذا. ومنهم من يجعله سنتين هكذا، وسنتين هكذا. ومنهم من يؤخّر صفرًا إلى ربيع الأول، وربيعًا إلى ما يليه، وهكذا، إلى أن يصير شوال ذا القعدة، وذو القعدة ذا الحجة، ثم يعود، فيعيد العدد على الأصل.
وقال أيضًا: قوله: "ورجب مضر" أضافه إليهم لأنهم كانوا متمسكين بتعظيمه، بخلاف غيرهم، فيقال: إن ربيعة كانوا يجعلون بدله رمضان. وكان من العرب من يجعل في رجب وشعبان ما ذكره في المحرم وصفر، فيحلّلون رجبًا، ويحرّمون شعبان. ووصفه بكونه بين جمادى وشعبان تأكيدًا. وكان أهل الجاهليّة قد نسئوا بعض الأشهر الحرم، أي أخّروها، فيحلون شهرًا حرامًا، ويحرّمون مكانه آخر بدله حتى رُفض تخصيص الأربعة بالتحريم أحيانًا، ووقع تحريم أربعة مطلقة من السنة.
فمعنى الحديث: أن الأشهر رجعت إلى ما كانت عليه، وبطل النسيء.
وقال الخطابيّ: كانوا يخالفون بين أشهر السنة بالتحليل، والتحريم، والتقديم، والتاخير لأسباب تعرِض لهم، منها استعجال الحرب، فيستحلون الشهر الحرام، ثم يحرمون بدله شهرا غيره، فتتحوّل في ذلك شهور السنة، وتتبدّل، فإذا أتى على ذلك عدّة من السنين استدار الزمان، وعاد الأمر إلى أصله، فاتفق وقوع حجة النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - عند ذلك انتهى (¬1).
[فائدة]: قال الكلبيّ: أول من نسأ القلمس، واسمه حذيفة بن عبيد الكنانيّ، ثم ابنه عباد، ثم ابنه قلع بن عباد، ثم أمية بن قلع، ثم عوف بن أمية، ثم جنادة بن أمية، وعليه قام الإسلام. وقيل: أول من نسأ نعيم بن ثعلبة، ثم جنادة، وهو الذي أدركه رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -. وقيل: مالك بن كنانة. وقيل: عمرو بن طيّء.
¬__________
(¬1) - راجع "الفتح" 9/ 220 - 222. في "كتاب التفسير" "سورة التوبة".

الصفحة 345