كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 24)

وقال ابن دريد: الصفران شهران من السنة، سمي أحدهما في الإسلام المحرم.
وفي "المحكم": قال بعضهم: سمي صفرًا؛ لأنهم كانوا يمتارون الطعام فيه من المواضع. وقال بعضهم: سمي بذلك لإصفار مكة من أهلها إذا سافروا. ورَوَى رؤبة أنه قال: سموا الشهر صفرًا لأنهم كانوا يغزون فيه القبائل، فيتركون مَن لَقُوا صفرًا من المتاع، وذلك إذا كان صفر بعد المحرم، فقالوا: صفر الناس منا صفرا، فإذا جمعوه مع المحرّم قالوا: صفران، والجمع أصفار. وقال القزّاز: إنما سموا الشهر صفرًا؛ لأنهم كانوا يُخلون البيوت فيه لخروجهم إلى البلاد، يقال لها: الصفرية، يمتارون منها. وقيل: لأنهم كانوا يخروجون إلى الغارة، فتبقى بيوتهم صفرًا. وفي "العلم المشهور" لأبي الخطاب: العرب تقول: صفر، وصفر ان، وصفارين، وأصفار. قال: وقيل: إن العرب كانوا يزيدون في كل أربع سنين شهرًا يسمونه صفرًا، فتكون السنة ثلاثة عشر شهرًا, ولذلك قال - صلى اللَّه عليه وسلم -: "السنة اثنا عشر شهرًا". وكانوا يتطيّرون به، ويقولون: إن الأمور فيه منغلقة، والآفات فيه واقعة انتهى (¬1).
(وَيَقُولُونَ: إِذَا بَرَأَ) بفتحتين، وآخره همزة، وتخفف بقلبها ألفًا (الدَّبَرْ) بفتح المهملة، والموحّدة: أي زال الجرح الذي كان يحصل بظهور الإبل من الحمل عليها، ومشقّة السفر، فإنه كان يبرأ بعد انصرافهم من الحجّ (وَعَفَا الْوَبَرْ) أي كثر وَبَرُ الإبل الذي قلعته رحال الحجّ. و"الوَبَر" -بفتخين-: للبعير كالصوف للغنم، وهو في الأصل: مصدرٌ، من باب تعب، وبَعِيرٌ وَبِرٌ بالكسر كثير الوَبَر، وناقةٌ وَبِرَةٌ، والجمع أوبار، مثل سبب وأسباب. قاله الفيّوميّ.
وفي رواية الشيخين: "وعفا الأثر" بهمزة، ومثلثة مفتوحتين: أي اندرس، وانمحى أثر الإبل، وغيرها في سيرها، فإنه ينمحي لطول مرور الزمان والأيام. هذا هو المشهور. وقال الخطابيّ: المراد أثر الدبر المذكور.
وقال القرطبيّ: و"عفا" من الأضداد، يقال: عفا الشيء: كثُر، وقلّ، وظهر، وخفي مثله انتهى (¬2) (وَانْسَلَخَ صَفَرْ) أي خرج شهر صفر الذي جعلوه بدل المحرّم (أَوْ قَالَ: دَخَلَ صَفَر) هذا شكّ من الراوي (فَقَدْ حَلَّتِ الْعُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرْ) أي صار الإحرام بالعمرة لمن أراد أن يحرم بها جائزًا.
[فائدة]: قال النوويّ: هذه الألفاظ تقرأ كلها ساكنة الآخر، ويوقف عليها؛ لأن مرادهم السجع.
¬__________
(¬1) - "عمدة القاري" 8/ 35 - 36.
(¬2) - "المفهم" 3/ 363.

الصفحة 346