كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 24)

وقال الكرمانيّ: ما وجه تعلق انسلاخ صفر بالاعتمار في أشهر الحجّ الذي هو المقصود من الحديث، والمحرم، وصفر ليسا من أشهر الحجّ؟.
فأجاب بقوله: لما سمّوا المحرم صفرا، وكان من جملة تصرفاتهم جعل السنة ثلاثة عشر شهرًا، صار صفر على هذا التقدير آخر السنة، وآخر أشهر الحجّ، إذ لا برء في أقلّ من هذه المدة غالبًا. وأما ذكر انسلاخ صفر الذي من الأشهر الحرم بزعمهم فلأجل أنه لو وقع قتال في الطريق، وفي مكة لقدروا على المقاتلة، فكأنه قال: إذا انقضى شهر الحجّ، وأثره، والشهر الحرام جاز الاعتمار. أو يراد بالصفر المحرم، ويكون "إذا انسلخ صفر" كالبيان، والبدل لقوله: "إذا برأ الدبر"، فإن الغالب أن البرء من أثر صفر الحجّ لا يحصل إلا في هذه المدة، وهي ما بين أربعين يومًا إلى خمسين ونحوه انتهى (¬1).
(فَقَدِمَ النَّبِيُّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وَأَصْحَابُهُ) أي دخلوا مكة (صَبيحَةَ رَابِعَةٍ) أي صباح الليلة الرابعة من شهر ذي الحجة، وذلك يوم الأحد (مُهِلَّينَ بالْحَجَّ) منصوب على الحال، أي حال كونهم مهلّين بالحجّ وفي رواية: "وهم يلبّون بالَحجّ"، وهي مفسّرة لقوله: "مهلّين". واحتجّ به من قال: كان حجّ النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - مُفْرِدًا. وأجاب من قال: كان قارنًا -وهو الصواب- بأنه لا يلزم من إهلاله بالحج أن لا يكون أدخل عليه العمرة (فَأمَرَهُمْ) أي النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - أصحابه - رضي الله عنهم - (أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً) أي يقلبوا الحجة التي قدموا مهلين بها عمرة، فيتحللوا بأفعال العمرة (فَتَعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ) وفي رواية: فكبر ذلك عندهم": أي شقّ عليهم ما أمرهم به؛ لما كانوا يعتقدونه أولاً (فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْحِلَّ) كأنهم كانوا يعرفون أن للحجّ تحلّلين، فأرادوا بيان ذلك، فبين لهم النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - فـ (قَالَ: الْحِلُّ كُلُّهُ) يعني أن المطلوب منهم أن يتحلّلوا كلّ الحلّ، حتى غشيان النساء، وذلك تمام الحلّ؛ لأن العمرة ليس لها إلا تحلّل واحد. ووقع في رواية الطحاويّ: "أيِّ الحلّ نحلّ؟، قال: الحلّ كله". واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث ابن عباس - رضي اللَّه تعالى عنهما - هذا متّفق عليه.
(المسألة الثانية): في بيان مواضع ذكر المصنف له، وفيمن أخرجه معه:
¬__________
(¬1) -"عمدة القاري" 8/ 36.

الصفحة 347