كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 24)

ومن لا يرى الفسخ يقول: معناه حلّت العمرة في أشهر الحجّ، وصحّت بمعنى دخلت في وقت الحجّ، وشهوره، وبطل ما كان عليه أهل الجاهلية من عدم حل العمرة في أشهر الحجّ.
وهذا المعنى بعيد عن مقصود الحديث؛ لأن جواز العمرة بينه النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - قولا وفعلاً، وأبطل ما تعتقده الجاهلية قبل هذا حيث اعتمر عمره الثلاث في أشهر الحج، فقد اعتمر، عمرة الحديبية في ذي القعدة، وكذا عمرة القضية، وعمرة الجعرانة، فكلها في ذي القعدة، وهو من أشهر الحرم، ثم قرن الرابعة مع حجته، فكيف يقال: إن الصحابة لم يعلموا جواز العمرة في أشهر الحج حتى أمرهم بالفسخ، وقد شاهدوا هذه العمر كلها، ثم إنه قال لهم عند الميقات: "من شاء أن يهلّ بعمرة، وحجة فليفعل"، فجوز لهم الاعتمار في أشهر الحجّ عند الميقات (¬1)، فأي معنى لكون الفسخ حتى يعلموا جواز العمرة في أشهر الحج؟، إن هذا لشيء بعيد.
وأيضًا لا معنى لسؤال سراقة بقوله: "عمرتنا هذه ألعامنا هذا، أو للأبد؟ "، مشيرًا إلى العمرة التي فسحْوا بها الحجّ، ثم يجيبه - صلى اللَّه عليه وسلم - بقوله: "لا، بل للأبد". واللَّه تعالى أعلم.
وتأوله بعضهم على أن أفعال العمرة دخلت في أفعال الحجّ، فلا يجب على القارن إلا إحرام واحد، وطواف واحد، وهكذا. وهذا أيضًا بعيد، فإن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - قاله مجيبًا لسؤالهم ألعامنا هذا، أم للأبد، فلا تقارب بينه وبين هذا التأويل.
وتأوله القائلون بعدم وجوب العمرة بأن المراد أنه سقط افتراضها بالحجّ، فكأنها دخلت فيه. وهذا أبعد من الذي قبله، بل هو باطل.
والحديث متّفقٌ عليه، كما سبق بيانه. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".
...
¬__________
(¬1) - راجع "مجموع الفتاوى" لشيخ الإسلام ابن تيمية 26/ 57.

الصفحة 351