كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 24)

حاجا أو معتمرًا"، أخرجه البيهقيّ، فتبيّن بهذا أن الشكّ فيه من أبي عوانة، وقد جزم يحيى بن أبي كثير بأن ذلك كان في عِمرة الحديبية، وهذا هو المعتمد انتهى (¬1).
(حَتَّى إِذَا كانَ بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَةَ، تخَلَّفَ) أي تأخّر أبو قتادة بأمر النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - له بذلك (مَعَ أَصْحَاب لَهُ مُحْرِمِينَ، وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ) أي والحال أن أبا قتادة غير محرم. وفي رواية للبخارَيّ من طريق عبد اللَّه بن أبيَ قتادة، عن أبيه: أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - خرج حاجا، فخرجوا معه، فصرف طائفة منهم، فيهم أبو قتادة، فقال: "خذوا ساحل البحر، حتى نلتقي"، فأخذوا ساحل البحر، فلما انصرفوا أحرموا كلهم، إلا أبو قتادة ... الحديث.
وحاصل القصّة أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - لما خرج في عمرة الحديبية، فبلغ الرَّوْحاء -وهي من ذي الحليفة على أربعة وثلاثين ميلاً- أخبروه بأن عدوًّا من المشركين بوادي غَيقة (¬2)، يُخشى منهم أن يقصدوا غرّته، فجهّز طائفة من أصحابه، فيهم أبو قتادة إلى جهتهم ليأمن شرّهم، فلما أمنوا ذلك لحق أبو قتادة، وأصحابه بالنبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فأحرموا، إلا هو، فاستمرّ هو حلالاً؛ لأنه إما لم يجاوز الميقات، وإما لم يقصد العمرة. وبهذا يرتفع الإشكال الذي ذكره الأثرم، قال: كنت أسمع أصحابنا يتعجّبون من هذا الحديث، ويقولون: كيف جاز لأبي قتادة أن يجاوز الميقات، وهو غير محرم؟، ولا يدرون ما وجهه. قال: حتى وجدته في رواية من حديث أبي سعيد، فيها: "خرجنا مع رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فأحرمنا، فلما كنا بمكان كذا إذا نحن بأبي قتادة، وكان النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بعثه في وجه ... " الحديث، قال: فإذًا أبو قتادة إنما جاز له ذلك لأنه لم يخرج يريد مكة.
قال الحافظ: وهذه الرواية التي أشار إليها تقتضي أن أبا قتادة لم يخرج مع النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - من المدينة، وليس كذلك، لما بيّنّاه.
ثم وجدت في "صحيح ابن حبّان"، والبزّار من طريق عياض بن عبد اللَّه، عن أبي سعيد، قال: "بعث رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - أبا قتادة على الصدقة، وخرج رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وأصحابه، وهم محرمون، حتى نزلوا بعسفان". فهذا سبب آخر، ويحتمل جمعهما.
والذي يظهر أن أبا قتادة إنما أخّر الإحرام لأنه لم يتحقّق أنه يدخل مكة، فساغ له التأخير.
¬__________
(¬1) - "فتح" 4/ 499 - 500.
(¬2) -بفتح الغين المعجمة، بعدها ياء ساكنة، ثم قاف مفتوحة، ثم هاء، قال السكونيّ: هو ماء لبني غفار، بين مكة والمدينة. وقال يعقوب: هو قليب لبني ثعلبة، يصبّ فيه ماء رضوى، ويصبّ هو في البحر انتهى "فتح" 4/ 492.

الصفحة 354