كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 24)

وقد استدلّ بقصّة أبي قتادة على جواز دخول الحرم بغير إحرام لمن لم يرد حجًّا، ولا عمرة. وقيل: كانت هذه القصّة قبل أن يوقّت النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - المواقيت.
وأما قول عياض، ومن تبعه: إن أبا قتادة لم يكن خرج مع النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - من المدينة، وإنما بعثه أهل المدينة إلى النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - يعلمونه أن بعض العرب قصدوا الإغارة على المدينة، فهو ضعيف مخالف لما ثبت في هذه الطريق الصحيحة. انتهى كلام الحافظ -رحمه اللَّه تعالى- (¬1).
(وَرَأَى حِمَارًا وَحْشِيًّا) وفي رواية عبد اللَّه بن أبي قتادة: "فينما أنا مع أصحابي، يضحك بعضهم إلى بعض، فنظرت، فإذا حمار وحشِ ... " (فَاسْتَوَى عَلَى فَرَسِهِ) أي ركبه، واستقرّ على ظهره (ثُمَّ سَأَلَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُنَاوِلُوهُ سَوْطَهُ) أي وقد نسيه، كما في رواية. أو سقط منه، كما في أخرى، ويجمع بينهما بأن أريد بالسقوط النسيان، أو العكس تجوّزًا. قاله السنديّ (فَأَبَوْا) أي امتنعوا من مناولته له؛ لكونهم محرمين. ففي رواية أبي عوانة: "فإذا حمار وحشٍ، فركبت فرسي، وأخذت الرمح، والسوط، فقسط منّي السوط، فقلت: ناولوني، فقالوا: ليس نعينك عليه بشيء، إنا محرمون".
وفي رواية للبخاريّ: "فحملمت عليه"، وفي رواية: "فقمت إلى الفرس، فأسرجته، ثم ركبت، ونسيت السوط والرمح، فقلت: ناولوني السوط والرمح، فقالوا: لا واللَّه، لا نعينك عليه بشيء، فغضبت، فنزلت، فأخذتهما، ثم ركبت". وفي رواية: "فركب فرسًا يقال له: الجرادة، فسألهم أن يناولوه سوطه، فأبوا، فتناوله". وفي رواية: "وكنت نسيت سوطي، فقلت لهم: ناولوني سوطي، فقالوا: لا نعينك عليه، فنزلت، فأخذته". وعند ابن أبي شيبة: "فاختلس من بعضهم سوطًا". قال الحافظ: والرواية الأولى أقوى، ويمكن الجمع بينهما بأنه رأى في سوط نفسه تقصيرًا، فأخذ سوط غيره، واحتاج إلى اختلاسه؛ لأنه لو طلبه منه اختيارًا لا متنع انتهى (¬2).
وفيه دلالة على أنهم كانوا قد علموا أنه يحرم على المحرم الإعانة على قتل الصيد. (فَسَألَهُمْ رُمْحَهُ) أي مناولة رمحه من الأرض (فَأَبَوْا، فَأَخَذَهُ) وفي رواية أبي عوانة: "فتناولته بشيء، فأخذته (ثُمَّ شَدَّ عَلَى الْحِمَارِ) أي حمل عليه (فَقَتَلَهُ، فَأَكَلَ مِنْهُ بَعضُ أَصْحَابِ النَّبِيَّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وَأَبَى بَعْضُهُمْ) أي امتنعوا عن أكله. وفي رواية: "فأكلنا من لحمه"، وفي روَاية: "فأكلوا، فندموا". وفي رواية: "فوقعوا يأكلون منه، ثم إنهم شكّوا في أكلهم إياه، وهم حُرُم، فرُحْنا، وخبأت العضد معي". وفي رواية: "فجعلوا يشوون
¬__________
(¬1) - "فتح" 4/ 492.
(¬2) - "فتح" 4/ 494.

الصفحة 355