كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 24)

ابن هارون: والصحيح عندنا أن هذا الحديث رواه عمير بن سلمة، عن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم، ليس بينه وبين النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - فيه أحدٌ. قال: وذلك بين في رواية يزيد بن هارون، وعبد ربه بن سعيد. قال موسى بن هارون: ولم يأت ذلك من مالك؛ لأن جماعة رووه عن يحيى بن سعيد كما رواه مالك، ولكن إنما جاء ذلك من يحيى بن سعيد، كان يرويه أحيانًا، فيقول فيه: عن البهزيّ، وأحيانًا لا يقول فيه: عن البهزيّ، وأظنّ المشيخة الأولى كان ذلك جائزًا عندهم، وليس هو رواية عن فلان، وإنما هو عن قصّة فلان انتهى (¬1).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الحاصل أن الصواب رواية من جعله من مسند عمير ابن سلمة، لا من مسند البهزيّ؛ لاتفاق حماد بن زيد، وهشيم، وعليّ بن مسهر، ويزيد بن هارون، كلهم عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن عيسى بن طلحة، عن عمير بن سلمة الضمريّ: أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - أقبل، أو خرج ... الحديث.
ودليل ترجيح رواية هؤلاء على رواية مالك، أن يزيد بن الهاد، وعبد ربه بن سعيد رويا الحديث عن محمد بن إبراهيم، كروايتهم، وفيه تصريح عمير بقوله: "خرجنا مع رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وفي حديث ابن الهاد: "بينما نحن مع رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - ... " فهذا تصريِح من عمير بن سلمة بحضوره القصة. واللَّه تعالى أعلم.
(أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، خَرَجَ يُرِيدُ مَكَّةَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالرَّوْحَاءِ) بفتح الراء، وسكون الواو، بعدها حاء مهملة، بوزن حمراء: موضع بين مكة والمدينة على ثلاثين، أو أربعين ميلاً من المدينة. قاله في "القاموس" (إِذَا حِمَارُ وحْشٍ) "إذا" هنا فجائية، أي ففاجأنا وجود حمار وحش (عَقِيرٌ) أي معقور، يعني أنه مقتول بالجرح (فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -) وجود حمار وحش معقور، والظاهر أنهم استأذنوه في أكله بدليل قوله (فَقَالَ: "دَعُوهُ") أي اتركوه، ولا تتصرّفوا فيه بأكل، أو غيره (فَإِنَّهُ يُوشِكُ) أي يقرب (أَنْ يَأتِيَ صَاحِبُهُ) فيتصرّف بالإذن في أكله، أو المنع منه (فَجَاءَ الْبَهْزِيُّ) أي الرجل المنسوب إلى بهز، وهو كما في "القاموس" اسم حيّ (وَهُوَ صَاحِبُهُ) أي صاحب ذلك الحمار المعقور (إِلَى رَسُولِ اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَى اللَّه عَلَيْكَ وَسَلَمَ، شَأنكُمْ بَهِذَا الْحِمَارِ) أي تصرّفوا فيه كيف شئتم، وِانتصاب "شأنكم" على مفعول لفعل محذوف، أي افعلوا شأنكم (فَأمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - أبا بَكْرٍ) الصدّيق - رضي اللَّه تعالى عنه - بقسمته بين الصحابة - رضي اللَّه عنهم - (فَقَسَّمَهُ بَيْنَ الرَّفَاقِ) بالكسر جمع رُفْقة بضم، فسكون، قال الفيّوميّ: الرفقة: الجماعة الذين تُرافقهم في سفرك، فإذا تفرّقتم زال اسم الرفقة، وهي بضم الراء في لغة بني تميم، والجمع رِفَاق، مثلُ بُرْمَة وبِرَام، وبكسرها في لغة قيس،
¬__________
(¬1) - "التمهيد" 23/ 341 - 343.

الصفحة 364