كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 24)

قال الحافظ أبو عمر -رحمه اللَّه تعالى-: وفي ذلك دليل على أن المحرم لا يجوز له أن ينفّر الصيد، ولا يعين عليه، ألا ترى أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - أمر رجلاً أن يقف عند الظبي الحاقف حتى يُجاوزه الناس لا يريبه أحدٌ؛ يعني لا يمسّه، ولا يُهيجه انتهى (¬1) (حَتَّى يُجَاوِزَهُ) ضمير الفاعل لأحد، والمفعول للظبي. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث عمير بن سلمة الضمريّ - رضي اللَّه تعالى عنه - هذا صحيح.
(المسألة الثانية): في بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا -87/ 2818 و 32/ 4344 - وفي "الكبرى" 77/ 3800 و 35/ 4856. وأخرجه مالك في (الموطإ) في "الحج" 789. واللَّه تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو جواز أكل المحرم لحم صيد اصطاده الحلال، لكن بشرط أن لا يعينه، ولا يشير إليه، ولا يدله عليه، كما تقدم تفصيل الخلاف بين العلماء في ذلك. (ومنها): جواز أكل الصيد إذا غاب عنه صاحبه، أو مات، إذا عرف أنها رميته.
وقد اختلف الفقهاء في هذا المسألة، فقال مالك: إذا أدركه الصائد من يومه أكله، في الكلب، والسهم جميعًا، وإن كان ميتًا إذا كان فيه أثر جرحه، وإن كان قد بات عنه لم يأكله. وقال الثوريّ: إذا غاب عنه يوما وليلةً كرهتُ له أكله. وقال أبو حنيفة، وأصحابه: إذا توارى عنه الصيد، وهو في طلبه، فوجده، وقد قتله جاز أكله، فإن ترك الطلب، واشتغل بعمل غيره، ثم ذهب في طلبه، فوجده مقتولاً، والكلب عنده كرهنا أكله. وقال الأوزاعيّ: إذا وجده من الغد ميتاً، ووجد فيه سهمًا، أو أثرًا، فليأكله. وقال الشافعيّ: القياس أن لا يأكله إذا غاب عنه؛ لأنه لا يدرى أمات من رميته، أو من غيرها. وروي عن ابن عباس - رضي اللَّه تعالى عنهما -: كل ما أصبت، ودع ما أنميت - يريد كل ما عاينت صيده، وموته من سلاحك، أو كلبك، ودع ما غاب عنك. وفي حديث أبي ثعلبة الخشنيّ - رضي اللَّه عنه - عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - في الذي يدرك صيده بعد ثلاث: يأكله ما لم يُنتن. أخرجه مسلم. وفي حديث عديّ بن حاتم - رضي اللَّه عنه - أنه سأل رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - عن
¬__________
(¬1) - "الاستذكار" 11/ 285.

الصفحة 366