كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 24)

النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - رجل حمار". وفي رواية عنده: عجز حمار وحش، يقطر دمًا". وأخرجه أيضًا من طريق حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد، قال تارة: "حمار وحش"، وتارة "شقٌ حمار". ويقوّي ذلك ما أخرجه مسلم أيضًا من طريق طاوس، عن ابن عباس، قال: قدم زيد بن أرقم، فقال له عبد اللَّه بن عباس يستذكره: كيف أخبرتني عن لحم صيد أُهدي لرسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وهو حرام؟، قال: أهدي له عضو من لحم صيد، فردّه، وقال: "إنا لا نأكله، إنا حُرُم".
وأخرجه أبو داود، وابن حبان من طريق عطاء، عن ابن عباس، أنه قال: "يا زيد بن أرقم، هل علمت أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - "، فذكره.
واتفقت الروايات كلها على أنه ردّه عليه، إلا ما رواه ابن وهب، والبيهقيّ من طريقه بإسناد حسن، من طريق عمرو بن أُميّة: "أن الصعب أهدى للنبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - عجز حمار وحش، وهو بالجحفة، فأكل منه، وأكل القوم". قال البيهقيّ: إن كان هذا محفوظًا، فلعله ردَّ الحيّ، وقبل اللحم.
قال الحافظ: وفي هذا الجمع نظر؛ لما بينته، فإن كانت الطرق كلها محفوظة، فلعله ردّه حيًّا؛ لكونه صيد لأجله، وردّ اللحم تارة؛ لذلك، وقبله تارة أخرى، حيث علم أنه لم يصده لأجله. وقد قال الشافعيّ في "الأمّ": إن كان الصعب أهدى له حمارًا حيًّا، فليس للمحرم أن يذبح حمار وحش حيّ، وإن كان أهدى له لحمًا، فقد يحتمل أن يكون علم أنه صيد له.
ونقل الترمذيّ عن الشافعيّ أنه رده لظنه أنه صيد من أجله، فتركه على وجه التنزّه. ويحتمل أن يُحمل القبول المذكور في حديث عمرو بن أمية على وقت آخر، وهو حال رجوعه - صلى اللَّه عليه وسلم - من مكة، ويؤيده أنه جازم فيه بوقوع ذلك بالجحفة، وفي غيرها من الروايات بالأبواء، أو بودّان.
وقال القرطبيّ: يحتمل أن يكون الصعب أحضر الحمار مذبوحًا، ثم قطع منه عُضْوًا بحضرة النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فقدّمه له، فمن قال: أهدى حمارًا، أراد بتمامه مذبوحًا، لا حيًّا، ومن قال: لحم حمار، أراد ما قدّمه للنبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -. قال: ويحتمل من قال: حمارًا أطلق، وأراد بعضه مجازًا. قال: ويحتمل أنه أهداه له حيًّا، فلما ردّه عليه ذكّاه، وأتاه بعضو منه، ظانًّا أنه إنما ردّه عليه لمعنى يختصّ بجملته، فأعلمه بامتناعه أن حكم الجزء من الصيد حكم الكلّ. قال: والجمع مهما أمكن أولى من توهيم بعض الروايات.
وقال النوويّ: ترجم البخاريّ يكون الحمار حيًّا, وليس في سياق الحديث تصريحٌ بذلك، وكذا نقلوا هذا التأويل عن مالك، وهو باطلٌ؛ لأن الروايات التي ذكرها مسلم

الصفحة 370