كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 24)

صريحة في أنه مذبوح انتهى.
قال الحافظ: وإذا تأملت ما تقدّم لم يحسن إطلاق بطلان التأويل المذكور، ولا سيما في رواية الزهريّ التي هي عمدة هذا الباب. وقد قال الشافعيّ في "الأم": حديث مالك أن الصعب أهدى حمارًا أثبت من حديث من روى أنه أهدى لحم حمار. وقال الترمذيّ: روى بعض أصحاب الزهريّ في حديث الصعب "لحم حمار وحش"، وهو غير محفوظ. انتهى (¬1).
(وَهُوَ بِالأَبْوَاءِ) جملة في محل نصب على الحال، من الفاعل، أو المفعول.
و"الأبواء" -بفتح الهمزة، وسكون الموحّدة، وبالمدّ-: جبل من عمل الْفُرُع -بضم الفاء، وسكون الراء، بعدها مهملة (¬2) -. قيل: سمي الأبواء لوبائه على القلب. وقيل: لأن السيول تتبوّؤه: أي تحمله. وقال الفيّوميّ: و"الأبواء" على أفعال -بفتح الهمزة-: منزل بين مكة والمدينة، قريب من الجحفة، من جهة الشمال، دون مرحلة. انتهى.
(أَوْ بِوَدَّانَ) شكّ من الراوي، وهو بفتح الواو، وتشديد الدال، آخره نون: موضع بقرب الجحفة. وقد سبق في حديث عمرو بن أُميّة أنه كان بالجحفة، وودّان أقرب إلى الجحفة من الأبواء، فإن من الأبواء إلى الجحفة للآتي من المدينة ثلاثة وعشرين ميلاً، ومن ودّان إلى الجحفة ثمانية أميال. وبالشك جزم أكثر الرواة. وجزم ابن إسحاق، وصالح بن كيسان، عن الزهريّ بودّان. وجزم معمر، وعبد الرحمن بن إسحاق، ومحمد بن عمرو بالأبواء.
قال الحافظ: والذي يظهر لي أن الشكّ فيه من ابن عباس - رضي اللَّه تعالى عنهما -؛ لأن الطبرانيّ أخرج الحديث من طريق عطاء عنه على الشكّ أيضًا انتهى.
(فَرَدَّهُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -) أي ردّ ذلك الحمار على الصعب بن جثّامة - رضي اللَّه عنه - (فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - مَا في وَجْهِي) فيه التفات، إذ الظاهر أن يقول: "ما في وجهه". كما هو في رواية البخاريّ عن عبد اللَّه بن يوسف، عن مالك، ولفظه: "فلما رأى ما في وجهه". وفي رواية الليث، عن الزهريّ، عند الترمذيّ: "فلما رأى ما في وجهه من الكراهية"، وكذا لابن خزيمة من طريق ابن جريج المذكورة.
(قَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (أَمَا) أداة استفتاح، وتنبيه، بمنزلة "ألا" (إِنَّهُ) الضمير للشأن، وفي نسخة: "إنا" وعلى النسختين، فهمزة "إنّ" مكسورة للابتداء (لَمْ نَرُدُّهُ عَلَيْكَ) قال عياض:
¬__________
(¬1) - "فتح" 4/ 503 - 504.
(¬2) - في "المصباح المنير": و"الفُرْعُ" وزان قُفْل عمل من أعمال المدينة، والصفراءُ، وأعمالها من الفرع، وكانت من ديار عاد انتهى.

الصفحة 371