كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 24)

غزا غزوة الحديبية ... " الحديث.
وقوله: "عام الحديبية" فيه أن ترك أبي قتادة الإحرام، ومجاوزته الميقات بلا إحرام، كان قبل أن تقرّر المواقيت، فإن تقريرها كان عام حجة الوداع سنة عشر، كما تقدم، فلا حاجة إلى الاستشكال بأنه كيف جاز له تأخير الإحرام عن الميقات؟، وقد تقدم غير هذا من التأويلات، وهذا أحسنها.
وقوله: "فبينما أنا مع أصحابي الخ" هذا يدلّ على أن عبد اللَّه رواه عن أبيه، كما تقدّم. ولفظ البخاريّ: "فبينا أبي مع أصحابه الخ".
وقوله: "ضحك بعضهم إلى بعض" وفي رواية عليّ بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير، عند البخاريّ: "فبصُر أصحابي بحمار وحش، فجعل بعضهم يضحك إلى بعض"، زاد في رواية أبي حازم: "وأحبّوا لو أني أبصرته".
قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: هكذا في جميع الطرق، والروايات. ووقع في رواية العذريّ في مسلم: "فجعل بعضهم يضحك إليّ"، فشدّدت الياء من "إليّ". قال عياض: وهو خطأ، وتصحيف، وإنما سقط عليه لفظة "بعض"، ثم احتجّ لضعفها بأنهم لو ضحكوا إليه، لكانت أكبر إشارة، وقد قال لهم النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "هل منكم أحد أمره، أو أشار إليه؟ "، قالوا: لا. وإذا دلّ المحرم الحلال على الصيد لم يأكل منه اتفاقًا، وإنما اختلفوا في وجوب الجزاء انتهى.
وتعقّبه النوويّ بأنه لا يمكن ردّ هذه الرواية لصحّتها، وصحة الرواية الأخرى، وليس في واحدة منهما دلالة، ولا إشارة، فإن مجرّد الضحك ليس فيه إشارة.
قال بعض العلماء: وإنما ضحكوا تعجبًا من عروض الصيد لهم، ولا قدرة لهم عليه؛ لمنعهم منه (¬1).
قال الحافظ: قوله: فإن مجرد الضحك ليس فيه إشارة صحيح، ولكن لا يكفي في ردّ دعوى القاضي، فإن قوله: "يضحك بعضهم إلى بعض" هو مجرّد الضحك. وقوله: "يضحك بعضهم إليّ " فيه مزيد أمر على مجرّد الضحك. والفرق بين الموضعين أنهم اشتركوا في رؤيته، فاستووا في ضحك بعضهم إلى بعض، وأبو قتادة لم يكن رآه، فيكون ضحك بعضهم إليه بغير سبب باعثًا له على التفطّن إلى رؤيته.
ويؤيد ما قال القاضي ما وقع في رواية أبي النضر، عن مولى أبي قتادة، بلفظ: "إذ رأيت الناس متشوفين لشيء، فذهبت انظر، فإذا حمار وحش، فقلت: ما هذا؟، فقالوا: لا ندري، فقلت: هو حمار وحش، فقالوا: هو ما رأيت".
¬__________
(¬1) - "شرح مسلم" 8/ 347.

الصفحة 379