كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 24)

ووقع حديث أبي سعيد عند البزّار، والطحاويّ، وابن حبّان في هذه القصّة: "وجاء أبو قتادة، وهو حِلٌّ، فنكسوا رؤوسهم، كراهية أن يُحِدُّوا أبصارهم له، فيفطن، فيراه" انتهى.
فكيف يُظنّ بهم مع ذلك أنهم ضحكوا إليه؟، فتبيّن أن الصواب ما قاله القاضي. وفي قول الشيخ: قد صحّت الرواية نظر؛ لأن الاختلاف في إئبات هذه اللفظة، وحذفها لم يقع في طريقين مختلفين، وإنما وقع في سياق إسناد واحد مما عند مسلم، فكان مع من أثبت لفظ "بعض" زيادة علم سالمة من الإشكال، فهي مقدّمة.
وبيّن محمد بن جعفر في روايته عن أبي حازم، عن عبد اللَّه بن أبي أوفى، كما عند البخاريّ في "الهبة" أن قصّة صيده للحمار كانت بعد أن اجتمعوا بالنبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وأصحابه، ونزلوا في بعض المنازل، ولفظه: "كنت يومًا جالسًا مع رجال من أصحاب النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - في منزل في طريق مكة، ورسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - نازل أمامنا، والقوم محرمون، وأنا غير محرم". وبيّن في هذه الرواية السبب الموجب لرؤيتهم اباه، دون أبي قتادة بقوله: "فأبصروا حمارًا وحشيًّا، وأنا مشغول أخصف نعلي، فلم يؤذنوني به، وأحبّوا لو أني أبصرته، والتفتّ، فأبصرته". ووقع في رواية أبي سعيد المذكورة أن ذلك وقع، وهم بعسفان، وفيه نظر، والصحيح ما في رواية البخاريّ، من طريق صالح بن كيسان، عن أبي محمد، مولى أبي قتادة، عنه، قال: "كنا مع النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بالقاحة، ومنا المحرم، وغير المحرم، فرأيت أصحابي، يتراءون شيئًا، فنظرت، فإذا حمار وحش ... " الحديث.
و"القاحة" -بقاف، ومهملة خفيفة، بعد الألف-: موضع قريبٌ من السقيا انتهى (¬1).
وقوله: "وخشينا أن نقتطع" بالبناء للمفعول: أي نصير مقطوعين عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - منفصلين عنه؛ لكونه سبقهم، وكذا قوله بعد هذا: "وخَشُوا أن يقتطعوا دونك"، وبيّن ذلك رواية عليّ بن المبارك، عن يحيى، عند أبي عوانة بلفظ: "وخشينا أن يقتطعنا العدو". وللبخاريّ: "وأنهم خشوا أن يقتطعهم العدوّ دونك". وهذا يُشعر بأن سبب إسراع أبي قتادة لإدراك النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - خشية على أصحابه أن ينالهم بعض أعدائهم. وفي رواية أبي النضر عند البخاريّ في "الصيد": "فأبى بعضهم أن يأكل، فقلت: أنا أستوقف لكم النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فأدركته، فحدثته الحديث". ففي هذا أن سبب إدراكه أن يستفتيه عن قصّة أكل الحمار. ويمكن الجمع بأن يكون ذلك بسبب الأمرين. قاله في "الفتح" (¬2).
وقوله: "أرفّع الخ" بالتخفيف، والتشديد: أي أكلّفه السير السريع. و"شأوا" بالشين
¬__________
(¬1) - "فتح" 4/ 492 - 493.
(¬2) - "فتح" 4/ 494.

الصفحة 380