كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 24)

وقوله: "يقرءون عليك السلام" -بفتح الياء، من قرأت ثلاثيًّا. قال الفيّوميّ: وقرأتُ على زيد السلامَ أقرؤه عليه قراءةً، وإذا أمرت منه قلتَ: اقرأ - عليه السلام -. قال الأصمعيّ: وتعديته بنفسه خطأٌ، فلا يقال: اقرأه السلام؛ لأنه بمعنى "اتلُ عليه".
وحكى ابن القطّاع أنه يتعدّى بنفسه رباعيًّا، فيقال: فلان يُقرِئك السلامَ. انتهى.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الحاصل أنه إذا تعدى بحرف الجرّ، كهذا الحديث، فهو ثلاثيّ مفتوح الأول، لا غير، وإذا تعدى بنفسه، فهو رباعيّ، لا غير. واللَّه تعالى أعلم.
وفيه استحباب إرسال السلام إلى الغائب، سواء كان أفضل من المرسل، أم لا؟؛ لأنه إذا أرسله إلى من هو أفضل، فمن دونه أولى. قال النوويّ: قال أصحابنا: ويجب على الرسول تبليغه، ويجب على المرسل إليه ردّ الجواب حين يبلّغه على الفور انتهى (¬1).
وقوله: "قد خَشُوا" بفتح الخاء، وضم الشين المعجمتين، لا بفتحها، كما ظُنّ، وأصله "خَشِيوا" بكسرها، فنقلت ضمة الياء إليها؛ استثقالاً للصعود من الكسرة إلى الضمّة،، ثم حذفت الياء؛ لالتقاء الساكنين، فصار "خَشُوا" بفتح، فضتم، فليُتنبّه.
وقوله: "فانتظرهم" بصيغة فعل الأمر، من الانتظار. وقوله: "فانتَظَرَهُمْ" بصيغة فعل الماضي، أي انتظر النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - أصحابه.
وقوله: "وعندي منه" فيه حذف مبتدإ، أي عندي منه فاضلةٌ. ويدلّ على هذا المحذوف ما يأتي في الرواية التالية، بلفظ: "فأنبأته أن عندنا من لحمه فاضلةً. أي قطعة فاضلة، أي بقيت بعد أكله. وفي رواية البخاريّ: "وعندي منه فاضلة". أي قطعة فضلت منه: أي بقيت. ويحتمل أن تكون "من" اسمًا بمعنى "بعض" مبتدأً خبره الظرف قبله، أي وبعضه كائن عندي. واللَّه تعالى أعلم.
وقوله: "فقال للقوم: كلوا" صيغة الأمر هنا للإباحة، لا للوجوب؛ لأنها وقعت جوابا عن سؤالهم عن الجواز، لا عن الوجوب، فوقعت الصيغة على مقتضى السؤال.
[تنبيه]: قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: ولم يذكر في هذه الرواية أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أكل من لحمها، وذُكر عند البخاريّ في روايتي أبي حازم، عن عبد اللَّه بن أبي قتادة، ولم يَذكر ذلك أحد من الرواة عن عبد اللَّه بن أبي قتادة غيره. ووافقه صالح بن حسان عند أحمد، وأبي داود الطيالسيّ، وأبي عوانة، ولفظه: "فقال: كلوا، وأطعموني", وكذا لم يذكرها أحد من الرواة عن أبي قتادة نفسه إلا المطلب، عند سعيد بن منصور. ووقع لنا من رواية أبي محمد، وعطاء بن يسار، وأبي صالح، ومن رواية أبي سلمة بن
¬__________
(¬1) - "شرح مسلم" 8/ 348.

الصفحة 382