شرح الحديث
(عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بن عمر، أنه (قَالَ: كَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ) الأمويّ الخليفة (إِلَى اَلْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ) الثقفي حين أرسله إلى قتال ابن الزبير - رضي اللَّه تعالى عنهما - (يَأْمُرُهُ) جملة في محلّ نصب على الحال، أي حال كونه آمرًا له (أَنْ لَا) نافية (يُخَالِفَ) عبد اللَّه (ابْنَ عُمَرَ) بن الخطّاب - رضي اللَّه تعالى عنهما - (فِي أَمْرِ الْحَجِّ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ) "كان" هنا تامّة، و"عرفة" مرفوع على الفاعليّة (جَاءَهُ ابْنُ عُمَرَ) - رضي اللَّه تعالى عنهما - (حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ، وَأَنَا مَعَهُ) القائل هو سالم، ووقع في رواية عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهريّ: "فركب هو وسالم، وأنا معهما"، وفي روايته: "قال ابن شهاب: وكنت يومئذ صائمًا، فلقيت من الحرّ شدّة".
واختلف الحفّاظ في رواية معمر هذه، فقال يحيى بن معين: هي وَهَمٌ، ابن شهاب لم ير ابن عمر، ولا سمع منه. وقال الذهليّ: لست أدفع رواية معمر؛ لأن ابن وهب روى عن العمريّ، عن ابن شهاب نحوَ رواية معمر. وروى عنبسة بن خالد، عن يونس، عن ابن شهاب، قال: "وفَدت إلى مروان، وأنا محتلم". قال الذهليّ: ومروان مات سنة خمس وستين، وهذه القصّة كانت سنة ثلاث وسبعين انتهى. وقال غيره: إن رواية عنبسة هذه أيضًا وَهَمٌ، وإنما قال الزهريّ: وفدت على عبد الملك، ولو كان الزهريّ وفد على مروان لأدرك جلّة الصحابة، ممن ليست له عنهم رواية إلا بواسطة، وقد أدخل مالك، وعُقيلٌ -وإليهما المرجع في حديث الزهريّ- بينه وبين ابن عمر في هذه القصّة سالمًا، فهذا هو المعتمد. قاله في "الفتح" (¬1).
(فَصَاحَ عِنْدَ سُرَادِقِهِ) أي خيمة الحجّاج (أَيْنَ هَذَا؟) أي قائلاً أين هذا، يعني الحجّاج (فَخَرَجَ اِلَيْهِ الْحَجَّاجُ، وَعَلَيْهِ مِلْحَفَةٌ) بكسر الميم: أي إزار كبيرٌ (مُعَصْفَرَةٌ) أي مصبوغة بالعصفر (فَقَالَ لَهُ: مَما لَكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ) هي كنية ابن عمر - رضي اللَّه تعالى عنهما - (قَالَ: الرَّوَاحَ) أي قال ابن عمر: الرواح، وهو منصوب على أنه مفعول لفعل محذوف، أي عجّل الرواح، وهو بالفتح: الذهاب (إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ) وفي رواية: "إن كنت تريد أن تصيب السنة" (فَقَالَ: لَهُ: هَذِهِ السَّاعَةَ؟) أي قال الحجّاج السنة في هذه الساعة؟ (فَقَالَ لَهُ) ابن عمر - رضي اللَّه تعالى عنهما - (نَعَمْ) أي السنة الرواح في الساعة (فَقَالَ) الحجاج (أُفِيضُ) بضم الهمزة، أي أصب. وفي رواية البخاريّ: "فأنظرني حتى أفيض على رأسي، ثم أخرجَ". قال في "الفتح": قوله: "فأنظرني" بالهمزة، وكسر الضاء
¬__________
(¬1) - "فتح" 4/ 322.