كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 26)

(قَالَ: "ائتُونِي) فيه أنه لم يحفظ لفظ الكلمة، وإنما حفظ معناها، ومثل هذا لا يضرّ في صحّة الرواية.
وفيه أيضًا إطلاق الكلمة على الكلام، وهو جائز في الاستعمال، كقوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ} الآية، إشارة إلى قوله: {رَبِّ ارْجِعُونِ}، ومثل: "لا إله إلا اللَّه كلمة الإخلاص"، قال ابن مالك -رحمه اللَّه تعالى- في "الخلاصة":
.................... وَكِلْمَةٌ بهَا كَلَامٌ قَدْ يُؤَمُّ
(بالكَتِفِ) متعلّق بـ"ائتوني"، وهي بفتح الكاف، وكسر المثنّاة الفوقيّة، ويجوز تسكيَنها، مع فتح الكاف، وكسرها تخفيفًا: عظم عَرِيضٌ، خلف المنكب، وهي مؤنّثةٌ، وتكون للناس، وغيرهم، كانوا يكتبون فيها لقلّة القراطيس عندهم. أفاده في "اللسان" (وَاللَّوْحِ) بفتح اللام، وسكون الواو: كلُّ صفيحة من خشب، وكتف، إذا كتب عليه، سمّي لَوحًا، والجمع ألواح. أفاده في "المصباح". وقوله: "إذا كُتب عليها" أي إذا استعملت للكتابة، وهُيئت له، فليس المراد أنها كتب عليها بالفعل؛ لأنه لا تقبل الكتابة مرّة أخرى، إلا إذا محيت، فتنبّه (فَكَتَبَ: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}) أي أمر - صلى اللَّه عليه وسلم - بالكتابة، وفي رواية البخاريّ من طريق إسرائيل، عن أبي إسحاق: "لما نزلت: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} قال النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "ادعوا لي فلانًا"، فجاءه، ومعه الدواة، واللوح، أو الكتف، فقال: "اكتب: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} ... وقد بين فلان في رواية شعبة، عن أبي إسحاق، ولفظها: "لما نزلت: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} دعا رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - زيدًا، فكتبها ... ". فقوله: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} مفعول به لـ"اكتب" محكيّ.
(وَعَمْرُو بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ) - رضي اللَّه عنه - تقدمت ترجمته في حديث زيد بن ثابت - رضي اللَّه عنه - الماضي (خَلْفَهُ) أي خلف النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وفي الرواية التالية: "جاء ابن أم مكتوم"، فيجمع بأن معنى قوله: "جاء"، أنه قام من مقامه خلف النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - حتى جاء مواجهه، فخاطبه. قاله في "الفتح" (فَقَالَ: هَلْ لِي رُخْصَةٌ) وفي الرواية التالية: "فكيف فيّ، وأنا أعمى"، وفي رواية شعبة المذكورة: "فشكا ضرارته"، وفي رواية إسرائيل: "فقال: يا رسول اللَّه أنا ضرير" (فَنَزَلَت {غَيرُ أُوْلِى اْلضَّرَرِ}) وفي الرواية التالية: "فما برح، حتى نزلت {غَيرُ أُوْلِى اْلضَّرَرِ}، وفي رواية إسرائيل المذكورة: "فنزلت مكانها {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}. قال ابن التين: يقال: إن جبريل هبط، ورجع قبل أن يجفّ القلم.
وقال ابن المنيّر: لم يقتصر الراوي في الحال الثاني على ذكر الكلمة الزائدة، وهي:

الصفحة 118