كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 26)

(بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فِي سَبِيلِ اللَّهِ) قال القاضي عياض -رحمه اللَّه تعالى-: هذا عامّ مخصوص، وتقديره: هذا من أفضل الناس، وإلا فالعلماء أفضل، وكذا الصدّيقون، كما جاءت به الأحاديث انتهى (¬1) (قَالَ) الرجل السائل (ثُمَّ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟) أي من هو الذي يليه في الأفضلية؟ (قَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (ثُمَّ مُؤْمِنٌ) وفي نسخة: "ثم من في شعب من الشعاب". وفي رواية مسلم، من طريق معمر، عن الزهريّ: "رجلٌ معتزلٌ" (فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ) -بكسر الشين المعجمة، وسكون العين المهملة-: هو ما انفرج بين جبلين. وليس المراد نفس الشعب خصوصًا، بل المراد الانفراد والاعتزال، وذكر الشعب مثالاً لأنه خال عن الناس غالبًا. وهذا الحديث نحو الحديث الآخر حين سئل - صلى اللَّه عليه وسلم - عن النجاة، فقال: "امْلِك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك" (¬2).
قاله النوويّ (¬3) (يَتَّقِي اللَّهَ) وفي رواية مسلم من طريق الزبيديّ، عن الزهريّ: "يعبد اللَّه". وفي حديث ابن عبّاس - رضي اللَّه تعالى عنهما -: "معتزل في شعب، يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويعتزل شرور الناس". وللترمذيّ، وحسّنه، والحاكم، وصحّحه من طريق ابن أبي ذئب، عن أبي هريرة: "أن رجلاً مرّ بشِعْب فيه عينٌ عذبة، فأعجبه، فقال: لو اعتزلت، ثم استأذن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فقال: "لا تفعل، فإن مُقام أحدهم في سبيل اللَّه أفضل من صلاته في بيته سبعين عامًا". (وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ) فيه إشارة إلى أن صاحب العزلة ينبغي له أن ينظر في العزلة إلى ترك الناس عن شرّه، لا إلى خلاصه عن شرّهم، ففي الأول تحقير النفس، وفي الثاني تحقيرهم. قاله السنديّ (¬4). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث أبي سعيد الخدريّ - رضي اللَّه تعالى عنه - هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في بيان مواضع ذكر المصنف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا 7/ 3106 - وفي "الكبرى" 7/ 4313. وأخرجه (خ) في "الجهاد" 2786
¬__________
(¬1) - "شرح مسلم للنوويّ" 13/ 36.
(¬2) - حديث صحح أخرجه الترمذيّ من حديث عفبة بن عامر - رضي اللَّه تعالى عنه -.
(¬3) - "شرح مسلم" 13/ 37.
(¬4) - "شرح السنديّ" 6/ 11 - 12.

الصفحة 131