كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 26)

معروفٌ هناك، وهو على يسار الذاهب إلى منى، وهو من أعظم جبال مكة، عُرف برجل من هُذيل، اسمه ثَبير، دُفن فيه. وهذا هو المراد، وإن كان للعرب جبال أُخَر كلّ منها ثبير، وهو منصرفٌ، ولكنه هنا بدون التنوين؛ لأنه منادى مفرد معرفة: تقديره: أشرق يا ثبير.
وزاد في رواية الإسماعيليّ من طريق أبي الوليد، عن شعبة: "كيما نُغير"، ومثله لابن ماجه من طريق حجاج بن أرطاة، عن أبي إسحاق. وللطبريّ من طريق إسرائيل، عن أبي إسحاق: "أشرق ثبير، لعلّنا نُغير". قال الطبريّ: معناه كيما ندفع للنحر، وهو من قولهم: أغار الفرسُ: إذا أسرع في عدوه. قال ابن التين: وضبطه بعضهم بسكون الراء في "ثبير"، وفي "نُغير"؛ لإرادة السجع، وهو من محسنات الكلام انتهى (¬1) (وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - خَالَفَهُمْ) أي خالف المشركين في إفاضتهم بعد طلوع الشمس (ثُمَّ أَفَاضَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ) الإفاضة الدفعة. قاله الأصمعيّ، ومنه أفاض القوم في الحديث: إذا دفعوا فيه.
ثم إنه يحتمل أن يكون فاعل "أفاض" ضمير عمر - رضي اللَّه تعالى عنه -، فيكون انتهاء حديثه ما قبل هذا. ويحتمل أن يكون ضمير "رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -"؛ لعطفه على قوله: "خالفهم "، وهذا هو المعتمد. وقد وقع في رواية أبي داود الطيالسيّ، عن شعبة، عند الترمذيّ: "فأفاض"، وفي رواية الثوريّ: "فخالفهم النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فأفاض"، وللطبريّ من طريق زكريا، عن أبي إسحاق بسنده: "كان المشركون لا ينفرون حتى تطلع الشمس"، وله من رواية إسرائيل: "فدفع لقدر صلاة القوم المسفرين لصلاة الغداة"، وأوضح من ذلك ما وقع في حديث جابر الطويل عند مسلم: "ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة، فدعا اللَّه تعالى، وكبّره، وهلّله، ووحّده، فلم يزل واقفًا حتى أسفر جدًّا، فدفع قبل أن تطلع الشمس".
وروى ابن المنذر من طريق الثوريّ، عن أبي إسحاق: "سألت عبد الرحمن بن يزيد: متى دفع عبد اللَّه من جمع؟، قال: كانصراف القوم المسفرين من صلاة الغداة". وروى الطبريّ من حديث عليّ، قال: "لما أصبح رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - بالمزدلفة غدا، فوقف على قُزَحَ، وأردف الفضل، ثم قال: هذا الموقف، وكلّ المزدلفة موقف، حتى إذا أسفر دفع". وأصله عند الترمذيّ، دون قوله: "حتى إذا أسفر"، ولابن خُزيمة، والطبريّ من طريق عكرمة، عن ابن عباس: "كان أهل الجاهليّة يقفون بالمزدلفة، حتى إذا طلعت الشمس، فكانت على رؤوس الجبال كأنها العمائم على رؤوس الرجال
¬__________
(¬1) - "فتح" 4/ 348. و"عمدة القاري" 8/ 185.

الصفحة 15