كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 26)

حَتَّى أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ, بِأَيِّهِمَا كَانَ, إِمَّا بِقَتْلٍ, أَوْ وَفَاةٍ, أَوْ أَرُدَّهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ, نَالَ مَا نَالَ (¬1) مِنْ أَجْرٍ, أَوْ غَنِيمَةٍ»).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: رجال هذا الإسناد كلهم رجال الصحيح، وكلهم تقدّموا غير مرّة. و"لليث": هو ابن سعد. و"سعيد": هو المقبريّ. و"عطاء ابن ميناء": هو أبو معاذ المدنيّ، صدوق [3] 52/ 967.
وقوله: "انتدب اللَّه": أي تكفّل اللَّه. وقيل: سارع بثوابه، وحسن جزائه. وقيل: بمعنى أجاب إلى المراد، ففي "الصحاح": ندبت فلانًا، فانتدب: أي أجاب إليه.
وقوله: "لا يُخرجه إلا إيمان بي" فيه التفات، وفيه انتقالٌ من ضمير الحضور إلى ضمير الغيبة. وقال ابن مالك: فيه حذف القول، والاكتفاء بالمقول، وهو سائغ شائعٌ سواء كان حالاً، أو غير حال، فمن الحال قوله تعالى: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ} [غافر: 7]، أي قائلين ربنا، وهذا مثله، أي قائلاً لا يُخرجه إلخ. قاله في "الفتح" (¬2).
وقال السنديّ: قوله: "لا يُخرجه إلا إيمان بي": هذا من كلامه تعالى، فلا بدّ من تقدير القول ههنا، أي قائلاً: لا يُخرجه، وهو حال من فاعل "انتدب"، أو تقدير ما يؤدّي مؤدّاه أول الكلام، والمعنى سمعت رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يقول حاكيًا عن اللَّه انتدب، أو يقول: قال اللَّه تعالى: انتدب اللَّه، ونحو ذلك، فيكون من باب وضع الظاهر موضع الضمير) وأصله انتدبتُ، وهذا في كلامه تعالى كثير، ويكون قوله: إلا الإيمان بي من باب الالتفات انتهى كلام السنديّ.
وفيه دليلٌ على أنه لا يحصل هذا الثواب إلا لمن صحّت نيّته، وخلصت من شوائب إرادة الأغراض الدنيويّة، فإنه ذُكر بصيغة النفي والإثبات المقتضيين للحصر. قاله ابن دقيق العيد -رحمه اللَّه تعالى- (¬3).
وقوله: "إنه ضامنٌ" أي ذلك الخارج ذو ضمان، أو مضمون. قال ابن دقيق العيدقيل: إن فاعلاً هنا بمعنى مفعول، كما قيل: في {مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق: 6]، و {عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ}، أي مدفوق، ومرضيّة، على احتمال هاتين اللفظتين لغير ذلك. وقد يقال: إن "ضامنا" بمعنى ذي ضمان، كلابن، وتامر، ويكون الضمان ليس منه، وإنما نُسب إليه لتعلّقه به، والعرب تضيف لأدنى ملابسة انتهى (¬4).
¬__________
(¬1) - وفي نسخة: "يخرُج مع ما نال".
(¬2) - "فتح" 6/ 82.
(¬3) - "إحكام الأحكام" 4/ 506 بنسخة حاشية "العدّة".
(¬4) - "إحكام الأحكام" 4/ 507. بنسخة الحاشية.

الصفحة 165